تشبه الذوات، وصفاته ليست كالصفات، وأفعاله لا تقاس بأفعال الخلق.
أما ذاته سبحانه، فإنا لا نعرف ذاتًا: إلا أن تكون جسمًا، وذاك يستدعي سابقة تأليفٍ، وهو منزه عن ذلك؛ لأن المؤلف، إما أن يكون جوهرًا، فالجوهر متحيز، وله أمثال، وقد جل عن ذلك. أو عرضًا، فالعرض لا يقوم بنفسه، بل بغيره، وقد تعالى عن ذلك.
فإذا أثبتنا ذاتًا قديمةً خارجةً عما يعرف، فليعلم أن الصفات تابعة تلك الذات، فلا يجوز لنا أن نقيس شيئًا على ما نفعله ونفهمه، بل نؤمن به، ونسلمه.
وكذلك أفعاله، فإن أحدنا لو فعل فعلًا لا يجتلب به نفعًا، ولا يدفع عنه ضرًّا، عد عابثًا، وهو سبحانه أوجد الخلق، لا لنفع يعود إليه ولا لدفع ضر، إذ المنافع لا تصل إليه، والمضار لا تتطرق عليه.
١٠٩٧- فإن قال قائل: إنما خلق الخلق لينفعهن. قلنا: يبطله أنه خلق منهم صنفًا للكفر، وعذبهم، ونراه يؤلم الحيوان والأطفال، ويخلق المضار، وهو قادر أن لا يفعل ذلك.
١٠٩٨- فإن قال قائل: إنه يثيب على ذلك. قلنا: وهو قادر أن يثيب بلا هذه الأشياء، فإن السلطان لو أراد أن يغني فقيرًا، فجرحه، ثم أغناه، ليم على ذلك؛ لأنه قادر أن يغنيه بلا جراح.
١٠٩٩- ثم من يرى ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من الجوع والقتل، مع قدرة الناصر، ثم يسأل في أمه فلا يجاب، ولو كان المسؤول بعضنا، قلنا: لم تمنع ما لا يضرك؟!
١١٠٠- غير أن الحق سبحانه لا تقاس أفعاله على أفعالنا، ولا تعلل، والذي يوجب علينا التسليم أن حكمته فوق العقل، فهي تقضي على العقول، والعقول لا تقضي عليها، ومن قاس فعله على أفعالنا، غلط الغلط الفاحش.
١١٠١- وإنما هلكت المعتزلة من هذا الفن، فإنهم قالوا: كيف يأمر بشيء ويقضي بامتناعه؟! ولو أن إنسانًا دعانا إلى داره، ثم أقام من يصد الداخل، لعيب.