للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٤- فإذا بحثنا عن الدنيا، رأينا هذه الأرض البسيطة، التي جعلت قرارًا للخلق، تخرج منها أقواتهم، ويدفن فيها أمواتهم. ومثل هذا لا يذم لموضع المصلحة فيه.

٥٥- ورأينا ما عليها من ماء وزرع وحيوان، كله لمصالح الآدمي، وفيه حفظ لسبب بقائه، ورأينا بقاء الآدمي سببًا لمعرفة ربه، وطاعته إياه وخدمته، وما كان سببًا لبقاء العارف العابد يمدح ولا يذم.

٥٦- فبان لنا أن الذم إنما هو لأفعال الجاهل، أو العاصي في الدنيا، فإنه إذا اقتنى المال المباح، وأدى زكاته، لم يلم؛ فقد علم ما خلف الزبير وابن عوف وغيرهما، وبلغت صدقة عليٍّ رضي الله عنه أربعين ألفًا، وخلف ابن مسعود تسعين ألفًا، وكان الليث بن سعد١ يستغل٢ كل سنة عشرين ألفًا، وكان سفيان٣ يتجر بمال، وكان ابن مهدي٤ يستغل كل سنة ألفي دينار.

٥٧- وإن أكثر من النكاح والسراري، كان ممدوحًا لا مذمومًا؛ فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم زوجات وسراري، وجمهور الصحابة كانوا على الإكثار في ذلك، وكان لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أربع حرائر، وسبع عشرة أمة، وتزوج ولده الحسن نحوًا من أربع مئةٍ.

٥٨- فإن طلب التزوج للأولاد، فهو الغاية في التعبد، وإن أراد التلذذ، فمباح، يندرج فيه من التعبد ما لا يحصى، من إعفاف نفسه والمرأة. إلى غير ذلك. وقد أنفق موسى عليه السلام من عمره الشريف عشر سنين في مهر ابنة شعيب؛ فلولا ذلك. وقد أنفق موسى عليه السلام من عمره الشريف عشر سنين في مهر ابنة شعيب، فلولا أن النكاح من أفضل الأشياء، لما ذهب كثير من زمان الأنبياء فيه. وقد قال ابن


١ الليث بن سعد، أبو الحارث "٩٤-١٧٥هـ" إمام أهل مصر في عصره حديثًا وفقهًا، ومن الأجواد المشهورين.
٢ يستغل: تبلغ غلتها. وفي الأصل يشتغل، وهو تصحيف.
٣ سفيان بن سعيد بن مسروق الكوفي "٩٧- ١٧٥هـ " أمير المؤمنين في الحديث، وسيد أهل زمانه علمًا وفتوى، مات مستخفيًا في البصرة.
٤ عبد الرحمن بن مهدي اللؤلؤي، أبو سعيد من كبار حفاظ الحديث، وإليه كتب الشافعي كتاب الرسالة، وقال: لا أعرف له نظيرًا في الدنيا.

<<  <   >  >>