للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان الحسن١يعيب فرقدًا السبخي٢ ومالك بن دينار٣ في زهدهما، فرئي عنده طعام فيه لحم، فقال: لا رغيفي مالك، ولا صحني فرقد.

ورأى على فرقد كساءً فقال: يا فرقد! إن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية.

٦٧- وكم قد زوق قاص مجلسه بذكر أقوام خرجوا إلى السياحة بلا زاد ولا ماء، وهو لا يعلم أن هذا من أقبح الأفعال، وأن الله تعالى لا يجرب عليه، فربما سمعه جاهل من التائبين، فخرج، فمات في الطريق، فصار للقائل نصيب من إثمه!!

وكم يروون عن ذي النون٤. أنه لقي امرأة في السياحة، فكلمها وكلمته، وينسون الأحاديث الصحاح: "لا يحل لامرأة أن تسافر يومًا وليلةً إلا بمحرم" ٥!!

٦٨- وكم ينقلون أن أقوامًا مشوا على الماء، وقد قال إبراهيم الحربي٦. لا يصح أن أحدًا مشى على الماء قط! فإذا سمعوا هذا، قالوا: أتنكرون كرامات الأولياء الصالحين؟! فنقول: لسنا من المنكرين لها، بل نتبع ما صح، والصالحون هم الذين يتبعون الشرع، ولا يتعبدون بآرائهم. وفي الحديث: "إن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم"٧.

٦٩- وكم يحثون على الفقر، حتى حملوا أقوامًا على إخراج أموالهم، ثم آل بهم الأمر: إما إلى التسخط عند الحاجة، وإما إلى التعرض بسؤال الناس!

٧٠- وكم تأذى مسلم بأمرهم الناس بالتقلل! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلثٌ طعَامٌ،


١ أبو سعيد، الحسن بن يسار البصري "٢١-١١٠هـ" سيد التابعين، حبر الأمة في عصره، كان عالمًا زاهدًا شجاعًا، فصيحًا.
٢ فرقد بن يعقوب السبخي، أبويعقوب، أحد زهاد البصرة، توفي سنة "١٣١هـ"، كان صدوقًا عابدًا. قلت: وقد وقع في الأصل: السنجي، وهو خطأ.
٣ مالك بن دينار البصري، أبو يحيى، علم العلماء الأبرار، وأحد ثقات التابعين، كان يتكسب من نسخ المصاحف، توفي سنة "١٢٧هـ".
٤ ثوبان بن إبراهيم الإخميمي المصري أبو الفيض، الزاهد المشهور، ولد في أواخر عهد المنصور، نوبي الأصل، توفي في الجيزة سنة "٤٤٥هـ".
٥ رواه البخاري "١٠٨٨"، ومسلم "١٣٣٩" عن أبي هريرة رضي الله عنه.
٦ إبراهيم بن إسحاق الحربي، من أعلام المحدثين "١٩٨ - ٢٨٥هـ"، تفقه على الإمام أحمد.
٧ رواه أبوداود "٤٩٠٤" عن أنس رضي الله عنه.

<<  <   >  >>