للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عثمان الحيري١ يقول يومًا على المنبر: علي ألف دينار، وقد ضاق صدري. فمضى أبو عمرو إليه في الليل بألف دينار، وقال: اقض دينك! فلما عاد وصعد المنبر، قال: نشكر الله لأبي عمرو؛ فإنه أراح قلبي، وقضى ديني، فقام أبو عمرو، فقال: أيها الشيخ! ذلك المال كان لوالدتي، وقد شق عليها ما فعلت، فإن رأيت أن تتقدم برده، فافعل؛ فلما كان في الليل عاد إليه، وقال له: لماذا شهرتني بين الناس؟! فأنا ما فعلت ذلك لأجل الخلق، فخذه ولا تذكرني!

ماتوا وغيب في التراب شخوصهم ... والنشر مسك، والعظام رَمِيْمُ٢

١٢١٣- فالبعد البعد عمن همته الدنيا، فإن زادهم اليوم إلى أن يحصل أقرب منه إلى أن يؤثر، ولا تكاد ترى إلا عدوًّا في الباطن، صديقًا في الظاهر، شامتًا على الضر، حسودًا على النعمة.

فاشتر العزلة بما بيعت، فإن من له قلب إذا مشى في الأسواق، وعاد إلى منزله، تغير قلبه، فكيف إن عرقله بالميل إلى أسباب الدنيا؟!

واجتهد في جمع الهم بالبعد عن الخلق، ليخلو القلب بالتفكر في المآب، وتتلمح عين البصيرة خيم الرحيل!


١ سعيد بن إسماعيل الحيري، النيسابوري الصوفي أبو عثمان "٢٣٠-٢٩٨هـ": كان مجمع العباد والزهاد، ولم يزل يسمع ويجل العلماء ويعظهم، وهو للخراسانيين كالجنيد للعراقيين، وقد وقع في الأصل: المغربي وهو تصحيف.
٢ النشر: الرائحة الزكية.

<<  <   >  >>