للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧٣- ولا يهولنك ما تسمعه من الأحاديث التي تحث على الجوع، فإن المراد بها: إما الحث على الصوم، وإما النهي عن مقاومة الشبع١، فأما تنقيص المطعم على الدوام، فمؤثر في القوى فلا يجوز.

٧٤- ثم في هؤلاء المذمومين من يرى هجر اللحم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يود أن يأكله كل يوم٢.

٧٥- واسمع مني بلا مُحَابَاةٍ: لا تحتجن علي بأسماء الرجال، فتقول: قد قال بشر٣، وقال إبراهيم بن أدهم، فإن من احتج بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أقوى حجة. على أن لأفعال أولئك وجوهًا تحملها عليهم بحسن الظن.

ولقد ذاكرت بعض مشايخنا ما يروى عن جماعة من السادات أنهم دفنوا كتبهم! فقلت له: ما وجه هذا؟ فقال: أحسن ما نقول أن نسكت! يشير إلى أن هذا جهل من فاعله، وتأولت أنا لهم، فقلت: لعل ما دفنوا من كتبهم فيه شيء من الرأي، فما رأوا أن يعمل الناس به.

ولقد روينا في الحديث٤ عن أحمد بن أبى الحواري٥: أنه أخذ كتبه؛ فرمى بها في البحر، وقال: نعم الدليل كنت، ولا حاجة لنا إلى الدليل بعد الوصول إلى المذلول!

وهذا إذا أحسنا به الظن، قلنا: كان فيها من كلامهم ما لا يرتضيه، فأما إذا كانت علومًا صحيحة، كان هذا من أفحش الإضاعة.

وأنا وإن تأولت لهم هذا؛ فهو تأويل صحيح في حق العلماء منهم: لأنا قد روينا عن سفيان الثوري أنه قد أوصى بدفن كتبه، وكان ندم على أشياء كتبها عن


١ أي: النهي عن الأكل فوق الشبع.
٢ انظر: ما جاء في هذا في كنز العمال "٤٠٩٩٤ - ٤١١٠٠٩" و "٤١٨٠٢ - ٤١٨٠٦".
٣ بشر بن الحارث المروزي، أبو نصر الحافي، وسيرد بهذا المعنى في أكثر من موضع.
٤ الحديث هنا بمعناه اللغوي لا بمعناه الاصطلاحي، وسيرد بهذا المعنى في أكثر من موضع.
٥ أحمد بن عبد الله بن ميمون الثعلبي الغطفاني، أبو الحسن، شيخ أهل الشام، إمام حافظ زاهد "١٦٤ ٢٤٦هـ".

<<  <   >  >>