١٣٥٣- وقد كان أقوام من السلاطين يلينون عند الموعظة، ويحتملون الواعظين، حتى إنه قد كان المنصور يواجه بأنك ظالم فيصبر ... وقد تغير الزمان، وفسد أكثر الولاة، وداهنهم العلماء، ومن لا يداهن لا يجد قبولًا للصواب، فيسكت.
١٣٥٤- وقد كانت الولايات لا يسألها إلا من أحكمته العلوم، وثقفته التجارب، فصار أكثر الولاة يتساوون في الجهل، فتأتي الولاية على من ليس من أهلها.
ومثل هؤلاء ينبغي الحذر منهم، والبعد عنهم؛ فمن ابتلى بوعظهم، فليكن على غاية التحرز فيما يقول، ولا ينبغي أن يغتر بقولهم: عظنا١! فإنه لو قال كلمة لا توافق أغراضهم، ثارت حراراتهم.
١٣٥٥- وليحذر مذكر السلطان أن يعرض له بأرباب الولايات؛ فإنهم إذا سمعوا بذلك، صار الواعظ مقصودًا لهم بالإهلاك، خوفًا من أن يعتبر السلطان أحوالهم، فتفسد أمورهم، والبعد في هذا الزمان عنهم أصلح، والسكوت عن المواعظ لهم أسلم، فمن اضطر، تلطف غاية التلطف، وجعل وعظه للعوام، وهم يسمعون، ولا يعنيهم منه بشيء، والله الموفق.