للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإخراج في زمن السلامة، فافرق بين الحالتين إن كان لك فهم، فالسعيد من انتبه لنفسه، وعمل بمقتضى عقله، واغتنم زمنًا نهايته الزمن١، وانتهب عمرًا، يا قرب انقطاعه!

١٣٧٧- ويحك! ما تصنع بادخار مال لا يؤثر حسنة في صحيفة، ولا مكرمة في تاريخ؟! أما سمعت بإنفاق أبي بكر، وبخل ثعلبة٢؟! أما رأيت تأثير مدح حاتم٣، وبخل الحباحب٤؟!

١٣٧٨- ويحك! لو ابتلاك في مالك فقل، لاستغثت، أو في بدنك ليلة بمرض، لشكوت، فأنت تستوفي مطلوباتك منه، ولا تستوفي حقه عليك، {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: ١] !

ولتعلم أن هذا القدر المفرط فيه، يحل الخلود الدائم في ثواب العمل فيه، فسبحان من من على أقوام فهموا المراد، فأتعبوا الأجساد، وغطى على قلوب آخرين، فوجودهم كالعدم.

وكيف لا يتعب العاقل بدنه إتعاب البُدْن٥ والمقصود منًى؟!

أترى ما بال الحق متجليًا في إيجادك أيها العبد؟!

بلى والله، إن وجودك دليل وجوده، وإن نعمه عليك دليل جوده، فكما قدمك على سائر الحيوانات، فقدمه في قلبك على كل المطلوبات.

وا خيبة من جهله! وا فقر من أعرض عنه! وا ذل من اعتز بغيره! وا حسرة من اشتغل بغير خدمته!


١ الزمن: المرض المقعد الذي لا يرجى برؤه.
٢ هو ثعلبة بن حاطب: أنصاري بدري، وقصة بخله واهية بالمرة كما ذكر جمع من أهل العلم كالحافظ العراقي والهيثمي وابن حجر، وقد رواه الطبري بأسانيد ضعيفة جدًّا.
٣ حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي، أبو عدي أحد أجواد العرب في الجاهلية يضرب المثل بجوده، توفي سنة "٤٦" قبل الهجرة.
٤ كان رجلًا بخيلًا لا يوقد نارًا بليل كراهية أن يلقاها من ينتفع بضوئها.
٥ البدن، جمع بدنة: وهي الناقة.

<<  <   >  >>