١٣٨٥- ولقد كان جماعة من القدماء يرون أوائل الصوفية يتعبدون، ويتورعون، فيعجبهم حالهم، وهم معذورون في إعجابهم بهم، وإن كان أكثر القوم في تعبدهم على غير الجادة، كما ذكرت في كتابي المسمى بـ "تلبيس إبليس"؛ فأما اليوم، فقد برح١ الخفاء، أحدهم يتردد إلى الظلمة، ويأكل أموالهم، ويصافحهم بقميص ليس في طراز! وهذا هو التصوف فحسب!!
أولا يستحيي من الله من زهد رفيع الأثواب لأجل الخلائق، لا لأجل الحق، ولا يزهد في مطعم، ولا في شبهة؟! فالبعد عن هؤلاء لازم.
١٣٨٦- وينبغي للمنفرد لطاعة الله تعالى عن الخلق ألا يخرج إلى سوق جهده؛ فإن خرج ضرورة، غض بصره، وألا يزور صاحب منصب، ولا يلقاه، فإن اضطر، دارى الأمر، ولا يخالط عاميًّا إلا لضرورة مع التحرز، ولا يفتح على نفسه باب التزوج، بل يقنع بامرأة فيها دين، فقد قال الشاعر:
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحبًا بسرورٍ عاد بالضرر
١٣٨٧- فإن كان يغلب عليه العلم، انفرد بدراسته، واحترز من الأتباع المتعلمين، وإن غلبت عليه العبادة، زاد في احترازه! وليجعل خلوته أنيسه، والنظر في سير السلف جليسه! ولتكن له وظيفة من زيارة قبول الصالحين والخلوة بها! ولا ينبغي أن يفوته ورد قيام الليل، وليكن بعد النصف الأول، فليطل مهما قدر؛ فإنه زمان بعيد المثل! وليمثل رحيله عن قرب، ليقصر أمله! وليتزود في الطريق على قدر طول السفر!
نسأل الله -عز وجل- يقظة من فضله، وإقبالًا على خدمته، وألا يخذلنا بالالتفات عنه، إنه قريب مجيب.