للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكم قد رأينا متعبدًا يخرق الحدود بالغيبة، وفعل ما لا يجوز مما يوافق هواه، وكم قد اعتبرنا على صاحب دين أنه يقصد بفعله غير الله تعالى! وهذه الآفة تزيد وتنقص في الخلق.

فرب١ خاشعٍ ليقال: ناسك! وصامت ليقال: خائف! وتاركٍ للدنيا ليقال: زاهد!

فالرجل كل الرجل هو الذي يراعي حدود الله، وهي ما فرض عليه، وألزم به، ويحسن القصد، فيكون عمله وقوله خالصًا لله تعالى، لا يريد الخلق ولا تعظيمهم له.

١٤١٠- وعلامة المخلص أن يكون في جلوته كخلوته، وربما تكلف بين الناس التبسم والانبساط، لينمحي عنه اسم الزاهد؛ فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار، فإذا جن الليل، فكأنه قتل أهل القرية.

واعلم أن المعمول٢ معه لا يريد الشركاء، فالمخلص مفرد له بالقصد، والمرائي قد أشرك ليحصل له مدح الناس، وذلك ينقلب؛ لأن قلوبهم بيد من أشرك معه، فهو يقلبها عليه لا إليه.

فالموفق من كانت معاملته باطنه، وأعماله خالصة، وذاك الذي تحبه الناس، وإن لم يبالهم٣، كما يمقتون المرائي، وإن زاد تعبده.

ثم إن الرجل الموصوف بهذه الخصال لا يتناهى عن كمال العلوم، ولا يقصر عن طلب الفضائل؛ فملأ الزمان أكثر ما يسعه من الخير، وقلبه لا يفتر عن العمل القلبي، إلى٤ أن [يصير] شغله بالحق سبحانه وتعالى.


١ في الأصل: "فربما"، وهو تصحيف.
٢ يعني: الله سبحانه وتعالى.
٣ في الأصل: وإن كرهوا أن يقلدوا به.
٤ في الأصل: إلّا.

<<  <   >  >>