للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقبرة أحمد١، أتراهم ما سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "امتنع من الصلاة على من عليه دين" ٢ وعلى الغال، وقال: "ما ينفعه صلاتي عليه"٣؟

١٤١٢- ولقد رأيت أقوامًا من العلماء حملهم حب الصيت على أن استخرجوا إذنًا من السلطان، فدفنوا في دكة٤ أحمد بن حنبل، وهم يعلمون أن هناك خلقًا رفات بعضهم على بعض، وما فيهم إلا من يعلم أنها ما يستحق القرب من مثل ذلك! فأين احتقار النفوس؟! أما سمعوا أن عمر بن عبد العزيز، قيل له: تدفن في الحجرة٥؟! فقال: لأن ألقى الله بكل ذنب -ما خلا الشرك- أحب إلي من أن أرى نفسي أهلًا لذلك؟!

لكن العادات وحب الرئاسة غلبت على هؤلاء، فبقي العلم يجري على الألسن عادة، لا للعمل به.

١٤١٣- ثم آل الأمر إلى جماعة خالطوا السلاطين، وباشروا الظلم، يزاحمون على الدفن بمقبرة أحمد، ويوصون بذلك!!

فليتهم أوصوا بالدفن في موضع فارغ؛ إنما يدفنون على موتى، وتخرج عظام أولئك، فيحشرون على ما ألقوا من الظلم، حتى في موتهم، وينسون أنهم كانوا من أعوان الظلمة، أترى ما علموا أن مساعد الظلم ظالم؟! وفي الحديث: "كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينًا للخونة"٦.

قال السجان لأحمد بن حنبل: هل أنا من أعوان الظلمة؟ فقال: لا، أنت من الظلمة؛ إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمر.


١ أحمد بن حنبل.
٢ رواه البخاري "٢٢٨٩" عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
٣ رواه النسائي "١٩٥٩"، وابن ماجه "٢٨٤٨" عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عدا قوله: "ما ينفعه صلاتي عليه" "ضعيف".
٤ الدكة: المقبرة.
٥ حجرة عائشة رضي الله عنها التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
٦ من كلام مالك بن دينار، وقد ذكره البيهقي في الشعب برقم "٩٤٣٠".

<<  <   >  >>