للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير أن العمر قصير، والعلم كثير: فينبغي للإنسان أن يقتصر من القراءات إذا حفظ القرآن على العشر، ومن الحديث على الصحاح والسنن والمسانيد المصنفة؛ فإن علوم الحديث قد انبسطت زائدة في الحد، [والمتون محصورة١] ، وإنما الطرق تختلف.

وعلم الحديث يتعلق بعضه ببعض، وهو مشتهى، والفقهاء يسمونه علم الكسالى؛ لأنهم يتشاغلون بكتابته وسماعه، ولا يكادون يعانون حفظه، ويفوتهم المهم، وهو الفقه.

وقد كان المحدثون قديمًا هم الفقهاء، ثم صار الفقهاء لا يعرفون الحديث، والمحدثون لا يعرفون الفقه!! فمن كان ذا همة، ونصح نفسه، تشاغل بالمهم من كل علم، وجعل جل شغله الفقه؛ فهو أعظم العلوم، وأهمها.

١٤٤٣- وقد قال أبو زرعة٢: كتب إلى أبو ثور٣: فإن هذا الحديث قد رواه ثمانية وتسعون رجلًا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي صح منه طرق يسيره. فالتشاغل بغير ما صح يمنع التشاغل بما هو أهم.

ولو اتسع العمر؛ كان استيفاء كل الطرق في كل الأحاديث غاية في الجودة؛ ولكن العمر قصير.

١٤٤٤- ولما تشاغل بالطرق مثل يحيى بن معين٤، فاته من الفقه كثير، حتى إنه سئل عن الحائض: أيجوز أن تغسل الموتى؟ فلم يعلم، حتى جاء أبو ثور، فقال: يجوز؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض٥. فيحيى أعلم بالحديث منه، ولكن لم يتشاغل بفهمه.


١ في الأصل: وما في هذا الجزء وما أثبت من "د".
٢ عبيد الله بن عبد الكريم الرازي "٢٠٠-٢٤٠هـ": محدث الري، وإمام الجرح والتعديل وسيد الحفاظ.
٣ إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي "١٧٠-٢٤٠هـ": إمام حافظ فقيه مجتهد.
٤ إمام الجرح والتعديل، الحافظ، الجهبذ، أحد الأعلام "١٥٨-٢٣٣هـ".
٥ رواه البخاري "٢٩٥"، ومسلم "٢٩٧".

<<  <   >  >>