للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الفطناء الكاملي العقل، لبعت بهم الدنيا، حتى صاروا كالمجانين، فولوا الولايات، فخرجوا إلى القتل والضرب، والحبس والشتم، وذهاب الدين، والمباشرة للظلم كله؛ لأجل دنيا تذهب سريعًا، وهي في مدة إقامتها معجونة بالنغص.

١٤٥٦- فيا أيها المرزوق عقلًا! لا تبخسه حقه، ولا تطفئ نوره، واسمع ما نشير به، ولا تلتفت إلى بكاء طفل الطبع لفوات غرضه؛ فإنك إن رحمت بكاءه، لم تقدر على فطامه، ولم يمكنك تأديبه، فيبلغ جاهلًا فقيرًا:

لا تسه عن أدب الصغيْ ... ـر ولو شكا ألم التعبْ

ودع الكبير لشأنه ... كبر الكبير عن الأدبْ

١٤٥٧- واعلم أن زمان الابتلاء ضيف، قراه الصبر١، كما قال أحمد بن حنبل: "إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنما أيام قلائل"، فلا تنظر إلى لذة المترفين، وتلمح عواقبهم، ولا تضق صدرًا بضيق المعاش، وعلل٢ الناقة بالحدو تسر:

طاول بها الليل مال النجم أم جَنَحَا ... وماطل النوم ضن الجفن أم سَمَحَا

فإن تشكت فعللها المجرة منْ ... ضوء الصباح، وعدها بالرواح ضُحَى

١٤٥٨- وقد كان أهدي إلى أحمد بن حنبل هدية فردها. ثم قال بعد سنة لأولاده: لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت.

١٤٥٩- ومر بشر على بئر، فقال له صاحبه: أنا عطشان. فقال: البئر الأخرى؛ فمر عليها، فقال له: الأخرى، ثم قال: كذا تقطع الدنيا.

١٤٦٠- ودخلوا إلى بشر الحافي، وليس في داره حصير، فقيل له: ألا بذا تؤذي؟ فقال: هذا أمر ينقضي.

١٤٦١- وكان لداود الطائي دار يأوي إليها، فوقع سقف، فانتقل إلى سقف [آخر] ، إلى أن مات في الدهليز. فهؤلاء الذين نظروا في عواقب الأمور.


١ القرى: طعام الضيفان.
٢ علّل: تشاغل وتلهّى.

<<  <   >  >>