للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس؛ فإن مد عمري، كان نعم السبب، وإلا، كان للعائلة، ولا أكون كراكب أراق ماءه لرؤية سراب، فلما ندم وقت الفوات، لم ينتفع بالندم. وإنما الصواب توطئه المضجع قبل النوم، وجمع المال الساد للخلة قبل الكبر، أخذ بالحزم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لأن تترك ورثتك أغنياء خير لك من أن تتركهم عالة يتكففون الناس"١، وقال: "نعم المال الصالح للرجل الصالح"٢.

١٠٤- وأما الانقطاع، فينبغي أن تكون العزلة عن الشر لا عن الخير، والعزلة عن الشر واجبة على كل حال، وأما تعليم الطالبين، وهداية المريدين، فإنه عبادة العالم.

١٠٥- وإن من تفضيل بعض العلماء إيثاره للتنقل بالصلاة والصوم عن تصنيف كتاب، أو تعليم علم ينفع؛ لأن ذلك بذر يكثر ريعه، ويمتد زمان نفعه.

١٠٦- وإنما تميل النفس إلى ما يزخرفه الشيطان من ذلك لمعنيين: أحدهما: حب البطالة؛ لأن الانقطاع عندها أسهل، والثاني: لحب المدحة، فإنها إذا توسمت بالزهد، كان ميل العوام إليها أكثر.

١٠٧- فعليك بالنظر في السرب الأول، فكن مع السرب المتقدم، وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فهل نقل عن أحد منهم ما ابتدعه جهلة المتزهدين والمتصوفة، من الانقطاع عن العلم؟ والانفراد عن الخلق، وهل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق؟ وحثهم على الخير، ونهيهم عن الشر؟!

إلا أن ينقطع من ليس بعالم بقصد الكف عن الشر، فذاك مرتبة المحتمي، يخاف شر التخليط٣، فأما الطبيب العالم بما يتناول، فإنه ينتفع بما يناله.


١ رواه البخاري "٥٣٥٤"، ومسلم "١٦٢٨" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
٢ رواه أحمد "٤/ ١٩٧"، والبخاري في الأدب المفرد "٢٩٩" عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
٣ التخليط: الإفساد.

<<  <   >  >>