للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمه. فقلت: ما هذا؟ فقال: مرض. فقلت: والله، لا بد أن تخبرني. فقال: إنك لما جئتني، لم أكن أملك شيئًا، وكانت أسناني مضببة بشريط من ذهب، فنزعته، واشتريت به! فهلا أكافئ مثل هذا؟!

١٥٣٠- وعلى عكس هذه الأشياء كان ابن الزيات١ وزير الواثق٢، وكن يضع من المتوكل؛ فلما ولي؛ عذبه بأنواع العذاب.

١٥٣١- وكذلك ابن الجزري، كان لا يوقر المسترشد قبل الولاية؛ فجرت عليه الآفات لما ولي.

١٥٣٢- فالعاقل من تأمل العواقب ورعاها، وصور كل ما يجوز أن يقع، فعمل بمقتضى الحزم.

١٥٣٣- وأبلغ من هذا تصوير وجود الموت عاجلًا؛ لأنه يجوز أن يأتي بغتة من غير مرض؛ فالحازم من استعد له، وعمل عمل من لا يندم إذا جاءه، وحذر من الذنوب؛ فإنها كعدو مراصد بالجزاء، وادخر لنفسه صالح الأعمال، فإنها كصديق صِدِّيقٍ، ينفع وقت الشدة.

١٥٣٤- وأبلغ من كل شيء أن يعلم المؤمن أنه كلما زاد عمله في الفضائل، علت مرتبته في الجنة، وإن نقص نقصت؛ فهو -وإن دخل الجنة في نقص بالإضافة إلى كمال غيره؛ غير أنه قد رضي به، ولا يشعر بذلك. فرحم الله من تلمح العواقب، وعمل بمقتضى التلمح، والله تعالى الموفق.


١ محمد بن عبد الملك، أبو جعفر "١٧٣-٢٣٣هـ": هو وزير المعتصم والواثق العباسيين.
٢ هارون بن المعتصم، الخليفة العباسي "١٩٦-٢٣٢هـ" كان عالمًا؛ لكنه تابع أباه وعمه في حمل الناس على القول بخلق القرآن.

<<  <   >  >>