للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٦٠٧- فأظهر المتزهدون طرائق كأنها ابتداء شريعةٍ، وكلها على غير الجادة، ويحتجون بقول المحاسبي والمكي، ولا يحتج أحد منهم بصحابي ولا تابعي، ولا بإمام من أئمة الإسلام؛ فإن رأوا عالمًا لبس ثوبًا جميلًا، أو تزوج مستحسنةً، أو أفطر بالنهار، أو ضحك؛ عابوه!!

١٦٠٨- فينبغي أن يعلم أن أكثر من صح قصده منهم على غير الجادة: لقلة علمهم، حتى إن بعضهم يقول: منذ ثمانين سنة ما اضطجعت!، ويقول آخر: حلفت لا أشرب الماء سنةً١!!. وهؤلاء على غير الصواب؛ فإن للنفس حقًّا.

١٦٠٩- فأما من ساء قصده، ممن نافق وراءى لاجتلاب الدنيا، وتقبيل الأيدي، فلا كلام معه، وهم جمهور المتصوفة؛ فإنهم رفعوا الثياب الملونة، ليراهم الناس بعين الترك للزينة، وما معهم أحسن من السقلاطون٢؛ وإنما رقع القدماء للفقر. فهم في اللذات. وجمع المال، وأخذ الشبهات، واستعمال الراحة واللعب، ومخالطة السلاطين. وهؤلاء قد كشفوا القناع، وباينوا زهد أوائلهم، بلى، أعجب منهم من ينفق هذا عليهم.


١ أي: لا يشرب الماء البارد.
٢ السقلاطون: ضرب من الثياب. قال أبو حاتم: عرضته على رومية، وقلت لها: ما هذا؟ فقالت: سِجِلَّاطُسْ.

<<  <   >  >>