للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرتبتين حسنتين: وكان عبد الحميد القاضي١ لا يحابي، فبعث إلى المعتضد، وقال له: قد استأجرت وقوفًا: فأد أجرتها! ففعل، وقال له المعتضد: قد مات فلان، ولنا عليه مال. فقال: أنت تذكر لما وليتني، قلت لي: قد أخرجت هذا الأمر من عنقي ووضعته في عنقك. ولا أقبل هذا الذي تقول إلا بشاهدين.

١٦٥٥- وكذلك كان الشهود: دخل جماعة على بعض الخلفاء؛ فقال الخادم: اشهدوا على مولانا بكذا! فشهدوا، فتقدم المجذوعي إلى الستر، فقال: يا أمير المؤمنين! أشهد عليك بما في هذا الكتاب؟ فقال: اشهد! قال: إنه لا يكفي في ذلك، لا أشهد حتى تقول: نعم. قال: نعم.

١٦٥٦- فأما في زماننا، فتغيرت تلك القواعد من الكل، خصوصًا من يتقرب إليه بالمال ليتشهد، فتراه يسحب ليشهد على ما لا يرى! قال لي أبو المعالي بن شافع٢: كنت أحمل إلى بعض أهل السواد وهو محبوس، وأشهد عليه، وأعلم أنه لولا أنه مكره؛ لجاء إلي بقدميه، وأنا أستغفر الله من ذلك.

١٦٥٧- وليس للشهود جراية٣ فيحملون ذلك لأجلها؛ وإنما الذي يحصل جر الطيلسان، وطرق الباب، وقول المعرف: حرس الله نعمتك، شهادة!

١٦٥٨- ولما قيل لإبراهيم النخعي: تكون قاضيًا! لبس قميصًا أحمر، وجلس في السوق، فقالوا: هذا لا يصلح!

١٦٥٩- ودخل بعض الكبار على الرشيد، وقد أحضره ليوليه القضاء، فسلم وقال له: كيف أنت، وكيف الصبيان؟ فقيل: هذا مجنون! فيا لله! جنون هو العقل. وما أظن الإيمان بالآخرة إلا متزلزلًا في أكثر القلوب. نسأل الله سبحانه سلامةً للدين؛ فإنه قادر.


١ أبو خازم عبد الحميد بن عبد العزيز البغدادي المعدل، عالم ورع، توفي سنة "٢٩٢هـ".
٢ أحمد بن صالح بن شافع الجيلي "٥٢٠-٥٦٥هـ" الإمام محدث بغداد.
٣ الجراية: مال أو طعام يعطى لمستحقه يوميًّا أو شهريًّا.

<<  <   >  >>