للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها؟ فإنه من راعى روعي١، ومن أهمل ترك.

١٦٩٣- وإني لأذكر لك بعض أحوالي، لعلك تنظر إلى اجتهادي، وتسأل الموفق لي؛ فإن أكثر الإنعام لم يكن بكسبي؛ وإنما هو من تدبير اللطيف بي، فإني أذكر نفسي ولي همة عالية، وأنا في المكتب ابن ست سنين، وأنا قرين الصبيان الكبار، قد رزقت عقلًا وافرًا في الصغر، يزيد على عقل الشيوخ، فما أذكر أني لعبت في طريق مع الصبيان قط، ولا ضحكت ضحكًا خارجًا٢. حتى إني كنت، ولي سبع سنين أو نحوها أحضر رحبة الجامع، فلا أتخير حلقة مشعبذ٣، بل أطلب المحدث فيتحدث بالسير٤ الطويل، فأحفظ جميع ما أسمعه، وأذهب إلى البيت فأكتبه.

١٦٩٤- ولقد وفق لي شيخنا أبو الفضل ابن ناصر رحمه الله، وكان يحملني إلى الشيوخ، فأسمعني "المسند"٥ وغيره من الكتب الكبار، وأنا لا أعلم ما يراد مني، وضبط لي مسموعاتي إلى أن بلغت، فناولني ثبتها٦، ولازمته إلى أن توفي رحمه الله فنلت٧ به معرفة الحديث والنقل.

١٦٩٥- ولقد كان الصبيان ينزلون إلى دجلة، ويتفرجون على الجسر، وأنا في زمن الصغر آخذ جزءًا وأقعد حجرة٨ من الناس إلى جانب الرقة٩، فأتشاغل بالعلم.

١٦٩٦- ثم ألهمت الزهد، فسردت الصوم، وتشاغلت بالتقلل من الطعام، وألزمت نفسي الصبر، فاستمرت، وشمرت، ولازمت وعالجت١٠ السهر، ولم أقنع بفن من العلوم، بل كنت أسمع الفقه والوعظ والحديث، وأتبع الزهاد.


١ أي: من حفظ حدود الله، حفظه الله مصداق حديث ابن عباس الآتي ذكره في الفصل "٣٨٣".
٢ أي: خارجًا عن حدود الأدب.
٣ في ت: مشعبة.
٤ في نسخة: بالسرد الطويل.
٥ مسند الإمام أحمد.
٦ مجموع فيه مسموعاته ويسمى المعجم، وعند المغاربة: الفهرس، وعند الأندلسيين: البرنامج.
٧ في نسخة: فأدركت.
٨ بعيدًا عن الناس.
٩ الرقة: منطقة في الجانب الغربي من بغداد مقابل دار الخلافة، سميت الرقة؛ لأنها كانت تشكل لسانًا يمتد إلى النهار، محلها الآن باب السيف، والزركجي القسم المطل على النهر.
١٠ زاولت.

<<  <   >  >>