للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٥٠- فمن تأمَّل هذا الجنس من المعاقبة، وجده بالمرصاد، حتى قال وهيب بن الورد١، وقد سئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من هم.

١٥١- فرب شخص أطلق بصره، فحرم اعتبار بصيرته، أو لسانه، فحرم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعمة، فأظلم سره، وحرم قيام الليل، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك، وهذا أمر يعرفه أهل محاسبة النفوس.

١٥٢- وعلى ضده يجد من يتقي الله تعالى من حسن الجزاء على التقوى عاجلًا، كما في حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: النظرة إلى المرأة سهم مسموم من سهام الشيطان، من تركه ابتغاء مرضاتي، آتيته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه" ٢. فهذه نبذة من هذا الجنس تنبه على مغفلها.

١٥٣- فأما المقابلة الصريحة في الظاهر، فقل أن تحتبس، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصبحة تمنع الرزق"٣، و "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه"٤.

وقد روى المفسرون: أن كل شخص من الأسباط جاء باثني عشر ولدًا، وجاء يوسف بأحد عشر بالهمة، ومثل هذا إذا تأمله ذو بصيرة، رأى الجزاء وفهم، كما قال الفضيل: إني لأعصي الله عز وجل فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي.

وعن أبي عثمان النيسابوري٥: أنه انقطع شسع نعله٦ في مضيه إلى الجمعة، فتعوق لإصلاحة ساعة، ثم قال: إنما انقطع؛ لأني ما اغتسلت غسل الجمعة.

١٥٤- ومن عجائب الجزاء في الدنيا أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة


١ وهيب بن الورد، أبو أمية، المكي، مولى بني مخزوم عابد زاهد توفي سنة "١٥٣هـ"، وقد وقع في الأصل وهب، والتصويب من سير أعلام النبلاء "٧/ ١٩٨". وله: "همَّ" أي بالمعصية.
٢ رواه الحاكم "٣/ ٣١٤" والطبراني عن حذيفة رضي الله عنه.
٣ رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند "١/ ٧٣"، قال الهيثمي في المجمع "٤/ ٦٢"، فيه إسحاق بن أبي فروة، وهو ضعيف. والصبحة: نوم أول النهار.
٤ رواه ابن ماجة: "٤٠٢٢"، وأحمد "٥/ ٢٧٧ و ٢٨٠ و ٢٨٢" والحاكم "١/ ٤٩٣"، وابن حيان "٨٧٢" عن ثوبان رضي الله عنه.
٥ وهو سعيد بن إسماعيل، الواعظ كان مجاب الدعوة، توفي سنة "٢٩٨هـ". في حاشية الأصل: في الأحمدية أبي عثمان. قلت: وهو الصواب، وفي المصرية: عثمان. وسيرد على الصواب في مواضع تالية.
٦ شسع النعل: سير من جلد، يدخل بين الأصبعين من جهة، ويتصل بصدر النعل من جهة أخرى.

<<  <   >  >>