للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما إقراضه لغانمٍ آخر، وهل الإقراض يتعلق به حكم؟ فهي المسألة المراد بحثها.

في المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول: ليس على المستقرض شيء إذا استهلكه، فإن لم يستهلكه بعد، فالمقرض أحق به إذا أراد استرداده، وإن كان الآخذ محتاجًا إليه والمعطي غنيًا عنه فليس له أن يأخذه منه، وإن كانا غنيين عنه حين أقرضه، ثم احتاجا إليه قبل الاستهلاك، فالمعطي أحق به، وإن احتاج إليه الآخذ أولًا، ثم احتاج إليه المعطي أو لم يحتج إليه، فلا سبيل له على الآخذ، وهذا هو قول الحنفية (١).

القول الثاني: لا يحل أن يقرض غانمٌ طعامًا لغانم آخر، فإن أقرضه وأخذه المستقرض فلا شيء عليه، وهو أحق به، ولا يلزمه إيفاؤه، وهو قول المالكية، والحنابلة، ووجه عند الشافعية (٢).

قال الحنابلة: إن باعه به نسيئة، أو أقرضه إياه، فأخذه، فهو أحق به، ولا يلزمه إيفاؤه، فإن وفَّاه، أو رده إليه، عادت اليد إليه كما كانت (٣).

وقول الحنفية قريب من قول المالكية والحنابلة؛ إذ جميعهم يقولون: إذا اقترض الغانم طعامًا من الغنيمة لا يلزمه الوفاء، إلا أن الحنفية يستثنون من ذلك مسألتين: أولها: إذا لم يستهلك المقترض الطعام، وثانيها: إذا كان المقرض والمقترض غنيين، ثم احتاجا إليه قبل الاستهلاك فالمعطي أحق به في المسألتين عندهم، والله أعلم.

القول الثالث: أن للمقرض مطالبة المقترض بعينه أو بمثله من المغنم، لا من خالص ماله، ما داما بدار الحرب ولم يدخلوا دار الإسلام، ولم تزل يده عنه إلا ببدل، وليس ذلك قرضًا محققًا، فإن نفد وفرغ الطعام ولم يوجد في المغنم بدله سقطت المطالبة، فإذا دخلوا


(١) انظر: شرح السير الكبير (ص: ١٢٢٧)، الفتاوى الهندية (٢/ ٢١٠).
(٢) انظر: المدونة (١/ ٥٢٣)، الجامع لمسائل المدونة (٦/ ١٩٩)، نهاية المطلب (١٧/ ٤٣٨ - ٤٣٩)، الوسيط في المذهب (٧/ ٣٥)، العزيز شرح الوجيز (١١/ ٤٣٢)، روضة الطالبين (١٠/ ٢٦٥)، المغني (٩/ ٢٧٩)، الإنصاف (٤/ ١٥٣)، كشاف القناع (٣/ ٧٤).
(٣) انظر: المغني (٩/ ٢٧٩)، الإنصاف (٤/ ١٥٤)، كشاف القناع (٣/ ٧٤).

<<  <   >  >>