للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنه يجوز أن يفرَّ الواحد عن واحد إذا كان أعتق جوادًا منه، وأجود سلاحًا وأشد قوة" (١).

وقال الكاساني: "فإن غلب على ظن الغزاة أنهم يقاومونهم يلزمهم الثبات، وإن كانوا أقل عددًا منهم، وإن كان غالب ظنهم أنهم يغلبون فلا بأس أن ينحازوا إلى المسلمين؛ ليستعينوا بهم، وإن كانوا أكثر عددًا من الكفرة، وكذا الواحد من الغزاة ليس معه سلاح مع اثنين منهم معهما سلاح، أو مع واحد منهم من الكفرة ومعه سلاح، لا بأس أن يولِّي دبره متحيزًا إلى فئة" (٢).

الشرط الثاني لوجوب الثبات: أن لا يقصد بفراره التحيز إلى فئة ولا التحرُّف لقتال، فإن قصد أحد هذين فالفرار مباح له.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)} (٣)، يعني تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} في القتال {زَحْفًا}، أي: في صف القتال، وتزاحف الرجال، واقتراب بعضهم من بعض، {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} يقول: فلا تولوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم، ولكن اثبتوا لهم، فإن الله معكم عليهم. {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} يقول: ومن يولهم منكم ظهره، فيفرّ (٤)


(١) بداية المجتهد (٢/ ١٥٠)، وأما في زماننا هذا فلا شك في اعتبار القوة دون العدد، وما نراه من كثرة عدد المسلمين وهوانهم على الناس أكبر دليل على ذلك.
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلِّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت» رواه أحمد في مسنده (١٤/ ٣٣٢)، وأبو داود (٤٢٩٧)، وصححه الألباني في الصحيحة (٢/ ٦٨٤).
(٢) بدائع الصنائع (٧/ ٩٨).
(٣) سورة الأنفال: ١٥، ١٦.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١١/ ٧٥)، تيسير الكريم الرحمن (ص: ٣١٧).

<<  <   >  >>