للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥. عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ارتد عبد الله بن سعد بن أبى سرح (١)،

ولما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبى سرح عند عثمان بن عفان فجاء به حتى أوقفه على النبى - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله. فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثًا، كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني؟ ! كففت يدى عن بيعته فيقتله». فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ ! قال: «إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» (٢).

وجه الدلالة:

هذا الحديث نص في أن مثل هذا المرتد الطاعن لا يجب قبول توبته، بل يجوز قتله وإن جاء تائبًا، وإن تاب، والذي عصم دمه عفو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه، لا مجرد إسلامه، وأن بالإسلام والتوبة انمحى الإثم، وبعفو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتقن الدم، والعفو بطل بموته - صلى الله عليه وسلم -، وليس للأمة أن تعفوا عن حقه. وامتناعه من بيعته حتى يقوم إليه بعض القوم فيقتله نصٌّ في جواز قتله وإن جاء تائبًا. وأما عصمة دمه بعد ذلك فليس دليلًا لنا على أن نعصم دم من سب وتاب بعد أن قدرنا عليه؛ لأنا قد بينا من غير وجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد


(١) هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب بن حذافة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشيّ العامريّ. الأمير، قائد الجيوش، أبو يحيى القرشي، العامري؛ من عامر بن لؤي بن غالب. هو أخو عثمان من الرضاعة، وهو الذي فتح إفريقية. قال ابن عباس: "كان ابن أبي سرح يكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأزله الشيطان، فلحق بالكفار، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقتل، فاستجار له عثمان"، اختُلف في سنة وفاته، والأصح: أن وفاته كانت في خلافة علي - رضي الله عنه -.

انظر: أسد الغابة (٣/ ٢٦٠)، سير أعلام النبلاء (٣/ ٣٣ - ٣٥)، الإصابة في تمييز الصحابة (٤/ ٩٤).
(٢) رواه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد، رقم (٤٣٥٩)، ورواه في كتاب الجهاد، باب قتل الأسير ولا يُعرض عليه الإسلام، رقم (٢٦٨٣)، والبزار في مسنده (٣/ ٣٥١)، والحاكم في المستدرك (٣/ ٤٧)، والبيهقي في السنن الكبرى (٧/ ٦٣)، وصحح إسناده ابن تيمية في الصارم المسلول (ص: ١٠٩)، والألباني في السلسلة الصحيحة (١٧٢٣).

<<  <   >  >>