للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدلة القول الأول:

١. قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» (١). فجعل البينة حجة المدّعي، وذو اليد ليس بمدعٍ، فلا تكون البينة حجته، والدليل على أنه ليس بمدع لأن المدعي: اسم لمن يُخبر عما في يد غيره لنفسه. والموصوف بهذه الصفة هو الخارج-أي المدِّعي- لا ذو اليد؛ لأنه يخبر عما في يد نفسه لنفسه، فلم يكن مدعيًا، فالتحقت ببينته بالعدم فبقيت بينة الخارج بلا معارض، فوجب العمل بها (٢).

ونوقش:

بأنَّ قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» يقتضي أنه ليس للمدعى عليه بينة، ولو أخذنا بظاهر الحديث لقلنا في المسألة التي ذكرتم: إنه إذا كان للمدعى عليه بينة سقطت اليمين.

وهذا لا يصح؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - جعل اليمين على المدعى عليه، وأنتم تقولون: إذا كان له بينة لا حاجة لليمين، فتبين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد دعوى فيها بينة للمدعي، وليس فيها بينة للمدعى عليه، وحينئذٍ ما يبقى إلا اليمين إذا لم يكن لديه بينة. ولم يُرد الرسول -عليه الصلاة والسلام- إذا تعارضت البينتان، فإنّ مقتضى الشرع القيام بالعدل، والقيام بالعدل أن نقول: كل بينة عارضت الأخرى أسقطتها، فيبقى كأن الرجلين ليس معهما بينة، وحينئذٍ نرجع إلى الأصل، ونقول للمدعى عليه وهو الداخل: احلف، فإذا حلف قُضي بأن العين التي بيده له، وألغيت الدعوى (٣).


(١) أخرجه بهذا اللفظ البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٤٢٧)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - بلفظ: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر"، وهو في الصحيحين بلفظ: «لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» واللفظ لمسلم، رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير: باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ} [آل عمران: ٧٧]، رقم (٤٥٥٢)، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية: باب اليمين على المدعى عليه، رقم (١٧١١).
(٢) انظر: بدائع الصنائع (٦/ ٢٣٢)، المغني (١٠/ ٢٤٦).
(٣) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (١٥/ ٣٨٨).

<<  <   >  >>