للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علي (١).

فالأولى بنا متابعتهم فيما اجتمعوا عليه قبل وقوع الاختلاف (٢).

"والاجتماع حصل بعد قول عمر رضي الله عنه، فإن قيل: فكيف تصح دعوى الإجماع، مع مخالفة علي وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم؟

قلنا: قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة، فقد روى عبيدة رضي الله عنه، قال: بعث إليَّ علي رضي الله عنه وإلى شريح، أن اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أبغض الاختلاف. فهذا يدل على أنه وافق الجماعة على أنها لا تباع، واختلاف الصحابة إذا ختم باتفاق، وانقرض العصر عليه، كان إجماعًا. وابن عباس قال: ولد أم الولد بمنزلتها. وهو الراوي لحديث عتقهن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن عمر رضي الله عنه، فيدل على موافقته لهم.

ثم قد ثبت الإجماع باتفاقهم قبل المخالفة، واتفاقهم معصوم عن الخطأ، فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يجوز أن يخلو زمن عن قائم لله بحجته، ولو جاز ذلك في بعض العصر، لجاز في جميعه، ورأي الموافق في زمن الاتفاق، خير من رأيه في الخلاف بعده، فيكون الاتفاق حجة على المخالف له منهم، كما هو حجة على غيره" (٣).

"فإن قيل: لو كان الاتفاق في بعض العصر إجماعًا، حرمت مخالفته، فكيف خالفه هؤلاء الأئمة، الذين لا تجوز نسبتهم إلى ارتكاب الحرام؟

قلنا: الإجماع ينقسم إلى مقطوع به ومظنون، وهذا من المظنون، فيمكن وقوع المخالفة منهم له، مع كونه حجة، كما وقع منهم مخالفة النصوص الظنية، ولا تخرج بمخالفتهم عن كونها حجة، كذا هاهنا" (٤).


(١) رواه عبد الرزاق في المصنف (٧/ ٢٩١)، وسعيد بن منصور في سننه (٢/ ٨٧)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٥٨٣).
وصحح إسناده أبو العباس ابن تيمية في «منهاج السُّنة (٦/ ٤٤٠)، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (٤/ ٥٢٢): "وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد".
(٢) معرفة السنن والآثار (١٤/ ٤٧٠).
(٣) انظر: شرح السنة للبغوي (٩/ ٣٧٠)، المغني لابن قدامة (١٠/ ٤٧٠).
(٤) المغني لابن قدامة (١٠/ ٤٧١).

<<  <   >  >>