للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيرهم من أئمة الحديث رحمهم الله: "لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإشهاد على النكاح شيء" (١).

فإذا جاز خلوّ النكاح من الإشهاد، فلا يُلتفت إلى العدالة التي هي وصفٌ للشهود.

٢. على التسليم بصحته:

أ- فإنَّ ذكر العدالة في موضع الإثبات يقتضي عدالة ما، وذلك من حيث الاعتقاد (٢)

فالمراد من الحديث عدالة الدين لا عدالة التعاطي لإجماعنا على أن فسق التعاطي لا يمنع انعقاد النكاح (٣).

ب- ليس في الحديث جعل العدالة صفة للشاهد؛ لأنه لو كان كذلك لقال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين)، بل هذا إضافة الشاهدين إلى العدل، وهو كلمة التوحيد فكأنه قال - عليه الصلاة والسلام - لا نكاح إلا بولي وقابلي كلمة العدل، وهي كلمة الإسلام، والفاسق مسلم فينعقد النكاح بحضرته (٤).


(١) الإشراف لابن المنذر (٥/ ٣١)، مجموع الفتاوى (٣٢/ ١٢٨)
(٢) قال السرخسي - رحمه الله -: "فنحن نعمل بالمطلق والمقيد جميعًا مع أنه ذكر العدالة في موضع الإثبات فيقتضي عدالة ما، وذلك من حيث الاعتقاد" المبسوط للسرخسي (٥/ ٣١).

ولم أجد من نقل هذا الجواب والذي بعده من الجمهور فضلًا عن مناقشته، وسأورده - إن شاء الله تعالى - عند الكلام على الترجيح.
(٣) بدائع الصنائع (٢/ ٢٥٣).
(٤) بدائع الصنائع (٦/ ٢٧١)، والذي يظهر في معنى هذا الاستدلال:
أن تفسير العدل بكلمة التوحيد هنا مبني على تفسير كلمة "سواء" بعدل، كما فسره الإمام الطبري - رحمه الله - وغيره في سورة آل عمران {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
[سورة آل عمران: ٦٤]، فكلمة "السواء" هي كلمة العدل، وهي كلمة التوحيد. فكان معنى "وشاهدي عدل" وقابلي كلمة العدل أي شاهدي أن لا إله إلا الله.
وعليه فتأويل الحديث على فرض صحته "لا نكاح إلا بولي ومسلمين"، والفاسق مسلم.
انظر: تفسير الطبري (٥/ ٤٧٣).

<<  <   >  >>