للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترجيح:

بعد النظر في الأقوال وأدلتها يظهر -والله أعلم- ما يلي:

١. أن قول الجمهور هو الراجح: بأنه لا يُقبل شهادة الفاسق في النكاح لقوة أدلتهم في مقابل أدلة الآخرين، ولثبوت شرط عدالة الشهود عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.

٢. أن قول الحنفية بقبول شهادة الفاسق لا يبعد أن يكون مبنيًا على عقيدة الإرجاء، والتي اشتهر بها مذهب الأحناف رحمهم الله (١)، بل صرّح بذلك فقيه الحنفية في


(١) وكانوا يوصَفون بمرجئة الفقهاء، فيُخرِجون العمل عن مسمى الإيمان ويقولون: "الإيمان لا يزيد ولا ينقص"، قال ابن نجيم: "وعندنا أن صاحب الكبيرة ... كامل الإيمان" ومن قال: إن "الإيمان يزيد وينقص .. فقد ارتد" انظر: التاريخ الكبير للبخاري (٨/ ٨١)، تاريخ بغداد وذيوله (١٣/ ٣٦٩ - ٣٧٢)، البحر الرائق (١/ ٣٥٣)، (٥/ ١٣١).
قال أبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين (ص: ١٣٨): "والفرقة التاسعة من المرجئة أبو حنيفة وأصحابه".
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن النزاع بين جمهور أهل السنة، ومرجئة الفقهاء، إنما هو اختلاف لفظي صوري، كما قاله الذهبي وابن أبي العز، سير أعلام النبلاء (٥/ ٢٣٣)، شرح الطحاوية (٢/ ٤٦٢).
وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية الخلاف ههنا فجمع بين القولين؛ فجعله نزاعًا لفظيًا في كثير من مسائله، وحقيقيًا مؤثرًا في بعض منها.
قال - رحمه الله - في شرح العقيدة الأصفهانية (ص: ١٩٧): "وإنما المقصود أن فقهاء المرجئة خلافهم مع أهل السنة يسير وبعضه لفظي، ولم يعرف بين الأئمة المشهورين بالفتيا خلاف إلا في هذا، فإن ذلك قول طائفة من فقهاء الكوفيين كحماد بن أبي سليمان وصاحبه أبي حنيفة وأصحاب أبي حنيفة".
وحصر ابن تيمية - رحمه الله - هذا النزاع في موطن آخر بكونه من بدع الأقوال والأفعال، لا بدع العقائد فقال في الإيمان في مجموع الفتاوى (٧/ ٣٩٤): "لم يكفِّر أحد من السلف أحدًا من "مرجئة الفقهاء"، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال؛ لا من بدع العقائد فإن كثيرًا من النزاع فيها لفظي لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب". =

<<  <   >  >>