للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرضاع مقام حقيقة البعضية (١) في إثبات الحرمة دون سائر الأحكام (٢).

وكما أقيم النوم المفضي إلى الحدث مقام الحدث في انتقاض الطهارة احتياطًا لأمر الصلاة، والقبلة والمباشرة في التسبب والدعوة أبلغ من النكاح، فكان أولى بإثبات الحرمة (٣).

ويناقش:

بأن ثبوت الحرمة بالرضاع علته الرضاع، وأما شبهة البعضية فهي حِكمة من حِكَم ثبوت الحرمة بالرضاع، كما أن العلة في الترخص في السفر هو السفر، أما المشقة فهي حكمة غير مؤثرة في الحُكم؛ فقد يسافر ولا يجد مشقة ومع ذلك جاز له الترخص برخص السفر.

هذا إذا سلمنا أن الحكمة شبهة البعضية.

وأما القياس على النوم المفضي إلى الحدث مقام الحدث في انتقاض الطهارة احتياطًا لأمر الصلاة، فهو قياس مع الفارق؛ فإن النائم ينتقض وضوؤه لاحتمال الحدث، والعلة في الحدث وجود الحدث.

أما هنا ليست العلة في التحريم مجرد الملامسة، بل عقد النكاح (والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا).

الترجيح:

بعد التأمل يظهر- والله أعلم- رجحان القول الأول لقول الله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ


(١) "الرضاع من أسباب التحريم، وهو بمنزلة النسب في ثبوت الحرمة؛ لأن ثبوت الحرمة بالنسب لحقيقة البعضية أو شبهة البعضية، وفي الرضاع شبهة البعضية بما يحصل باللبن الذي هو جزء الآدمية في إنبات اللحم وإنشاز العظم وإليه أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم» ". المبسوط للسرخسي (٥/ ١٣٢).
(٢) نفس المصدر.
(٣) بدائع الصنائع (٢/ ٢٦٠ - ٢٦١).

<<  <   >  >>