للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَقَط رداؤه، فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءَه فرَدَّاه، ثم التَزَمَه من ورائه، ثم قال: يا رسولَ الله، كذاك مُناشدَتُكَ ربَّك، فإنَّه سيُنجِزُ لك ماوَعَدك. وأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ / (ق ٣١٥): {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (١)، فلمَّا كان يومئذٍ والتَقَوا، فهزم اللهُ المشركين، فقُتِلَ منهم سبعون رجلاً، وأُسِرَ منهم سبعون رجلاً، واستشار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ وعليًّا وعمرَ، فقال أبو بكرٍ: يا رسولَ الله، هؤلاء بنو العمِّ والعشيرة والإخوان، وإنِّي أرى أن تأخذ منهم الفديةَ، فيكون ما أخذنا منهم قوَّةً لنا على الكفَّار، وعسى أن يهديَهم اللهُ فيكونوا لنا عَضُدًا.

فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما تَرَى يا ابنَ الخطابِ؟»، قال: قلت: واللهِ ما أرى ما رأى أبو بكرٍ، ولكنِّي أرى أن تُمكِّنَني من فلان -قريب لعمرَ- فأَضرِبَ عُنُقَه، وتُمكِّن عليًّا من عَقيل فيَضرِبَ عُنُقَه، وتُمكِّنَ حمزةَ من فلان أخيه فيَضرِبَ عُنُقَه، حتى يعلم اللهُ أنه ليست في قلوبنا هوادةٌ للمشركين، هؤلاء صناديدُهم وأئمَّتُهم وقادتُهم. فهَوِيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ، ولم يَهْوَ ما قلتُ، وأخذ منهم الفِداء.

فلمَّا كان من الغد قال عمرُ: فغَدَوتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قاعد وأبو بكرٍ، وهما يبكيان، فقلتُ: يا رسولَ الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبَك، فإنْ وَجَدتُ بكاءً بَكَيتُ، وإن لم أجد بكاءً تَباكيتُ لبكائِكما. قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «للذي عَرَضَ عليَّ أصحابُكَ من الفِدَاءِ، لقد عُرِضَ عليَّ عذابُكُم / (ق ٣١٦) أدنى من هذه الشجرةِ» -لشجرة قريبة-، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى:


(١) الأنفال: ٩

<<  <  ج: ص:  >  >>