(٢) هذا الأثر يَرويه الشعبي، واختُلف عليه: فقيل: عنه، عن عبد الله بن ثابت، عن عمرَ! وقيل: عنه، عن جابر بن عبد الله، عن عمرَ! أما الوجه الأول: فأخرجه عبد الرزاق (٦/ ١١٣ رقم ١٠١٦٤) -وعنه أحمد (٣/ ٤٧٠) و (٤/ ٢٦٥) - عن الثوري، به. ولفظه: جاء عمرُ بن الخطاب إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنِّي مررتُ بأخ لي من قريظة، وكَتَب لي جوامعَ من التوراة، أفلا أعرضُها عليك؟ قال: فتغيَّر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ، الحديث، وفيه: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده، لو أصبح فيكم موسى ثم اتَّبعتموه وتَرَكتموني؛ لَضَلَلتم، أنتم حظِّي من الأُمم، وأنا حظُّكم من النبيين». وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف جابر الجُعفِي.
وأما الوجه الثاني: فأخرجه أحمد (٣/ ٣٨٧) -واللفظ له- وابن أبي عاصم في «السُّنَّة» (١/ ٢٦ رقم ٥٠) وأبو يعلى (٤/ ١٠٢ رقم ٢١٣٥) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (٢/ ٨٠٥ رقم ١٤٩٧) من طريق مُجالِد، عن الشَّعبي، عن جابر بن عبد الله: أنَّ عمرَ بن الخطاب أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتاب، فقَرَأه على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فغضب، وقال: أمتهوِّكون فيها يا ابنَ الخطابِ، والذي نفسي بيده، لقد جئتُكم بها بيضاءَ نقيةً، لا تسألوهم عن شيء فيُخبروكم بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتُصدِّقوا به، والذي نفسي بيده، لو أنَّ موسى كان حيًّا ما وَسِعَه إلا أن يتبعني. وإسناده ضعيف؛ لضعف مُجالِد. وقد ضعَّف هذا الحديثَ الإمامُ البخاري، كما في «الإصابة» لابن حجر (٦/ ٢٩). وقال ابن عبد البر في «الاستيعاب» (٦/ ١٢١ - بهامش الإصابة): حديث مضطرب. وقد أخرج البخاري في «صحيحه» (٥/ ٢٩١ رقم ٢٦٨٥ - فتح) في الشهادات، باب لا يُسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: يا معشرَ المسلمين، كيف تسألون أهلَ الكتاب، وكتابُكم الذي أُنزِلَ على نبيِّه صلى الله عليه وسلم أَحدَثُ الأخبارِ بالله، تَقرؤونه لم يُشَب؟! وقد حدَّثكم اللهُ أنَّ أهلَ الكتاب بدَّلوا ما كَتَب اللهُ، وغيَّروا بأيديهم الكتابَ، فقالوا: «هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً»، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا واللهِ ما رأينا منهم رجلاً قطُّ يسألكم عن الذي أُنزل عليكم.