للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلوسٌ يبكي بعضُهم، فجَلَستُ قليلاً، ثم غَلَبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لعمرَ، فدخل، ثم خَرَج، فقال: قد ذَكَرتك له فصَمَت. فخَرَجتُ، فجَلَستُ إلى المنبر، ثم غَلَبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لعمرَ، فدخل، ثم خَرَج إليَّ، فقال: قد ذَكَرتك له فصَمَت. فولَّيتُ مدبرًا، فإذا الغلام يَدعوني، فقال: ادخل، قد أَذِنَ لك. فدَخَلتُ، فسلَّمتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مُتَّكئٌ على رملِ حصير (١) -قال الإمام أحمد: وحدثناه يعقوب في حديث صالح، قال: رمال حصير- قد أَثَّر في جنبه، فقلتُ: أَطلَّقتَ يا رسولَ الله نساءَك؟ فرفع رأسَه إليَّ، وقال: «لا».

فقلتُ: الله أكبر، لو رأيتَنَا يا رسولَ الله، وكنَّا معشرَ قريشٍ قومًا نَغلِبُ النساء، فلمَّا قَدِمنا المدينةَ وَجَدنا قومًا / (ق ٣٤٤) تَغلِبُهُم نساؤهم، فطَفِقَ نساؤنا يتعلَّمن من نسائهم، فتَغَضَّبتُ على امرأتي يومًا، فإذا هي تُراجعني، فأَنكَرتُ أن تُراجعَني، فقالت: ما تُنكر أن أُراجِعكَ؟ فواللهِ إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيُراجِعْنَه، وتَهجُرُه إحداهُنَّ اليومَ إلى الليل. فقلتُ: قد خاب مَن فَعَل ذلك منكنَّ وخَسِرَتْ، أَفَتأْمَنُ إحداكُنَّ أن يغضبَ اللهُ عليها لغضبِ رسولِهِ، فإذا هي قد هَلَكت؟ فتبسَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، فدَخَلتُ على حفصةَ، فقلتُ: لا يَغرُّكِ أن كانت جارتُكِ هي أوسمَ وأحبَّ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فتبسَّم أخرى، فقلتُ: أَستأنِسُ يا رسولَ الله؟ قال: «نعم». فجَلَستُ، فرَفَعتُ رأسي في البيت، فواللهِ ما رأيتُ في البيتِ شيئًا يَرُدُّ البصرَ إلا أَهَبَةً (٢) ثلاثةً، فقلتُ: ادعُ اللهَ يا رسولَ اللهِ أن يوسِّع على أُمَّتك، فقد وَسَّعَ على فارسَ والرومَ، وهم لا يَعبدون اللهَ. فاستوى


(١) تقدم شرحه (ص ٤٧٥)، تعليق رقم ٣
(٢) الأَهَبَة: واحدها إهاب، وهو الجلد قبل أن يُدبغ. «النهاية» (١/ ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>