للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمير المؤمنين. فلمَّا قَدِمَ المدينةَ استأذن على عمرَ، فدخل عليه، فقال: أنت ضَبَّة بن مِحصَن؟ قال: نعم. قال: فلا مَرحبًا ولا أهلاً. قال: أمَّا المرحبُ فمن الله، وأمَّا الأهلُ فلا أهلَ ولا مالَ، فعَلاَم استَحلَلتَ إشخاصي من مصرَ يا عمرُ بلا ذنبٍ ولا جنايةٍ ولا سوءٍ أتيتُهُ؟! قال: وما تَبوء بذنبٍ تعتذرُ منه؟ قال: لا. قال: فما شَجَر بينك وبين عامِلِكَ؟ قال: كان إذا خَطَب يومَ الجمعةِ صلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم ثنَّى بك يَدعو لك، ولا يَتَرحَّمُ على أبي بكرٍ، فكان ذلك ممَّا يغيظني منه. قال: أنت كنتَ أوفَقَ منه وأفضلَ، فهل أنت غافرٌ ذنبي إليك؟ قال: نعم، يَغفِرُ اللهُ لك. فاستبكى عمر، حتى انتَحَبَ، ثم قال: واللهِ ليومٌ أو ليلةٌ من أبي بكرٍ -رضي الله عنه- خيرٌ من عمرَ وآل عمرَ من لدن وُلِدوا، أمَّا ليلتُهُ فإنَّه لمَّا توجَّه مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى الغار جعل يمشي طَورًا أمامَهُ، وطَورًا خلفَهُ، ومرَّة عن يمينه، ومرَّة عن يَسَاره، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا من فِعلك يا أبا بكر؟».

قال: بأبي أنت وأُمِّي، أذكرُ الرَّصَدَ (١) فأَكونُ أمامَكَ، وأذكرُ الطَّلبَ فأَكونُ خَلفَكَ، وأَنفضُ الطريقَ يمينًا وشمالاً. قال: «إنَّه ليس عليك بأسٌ»، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم حافيًا، ولم يكن مخصَّرَ القدمين، فحَفِيَ، / (ق ٣٩٧) فحَمَله أبو بكر الصِّديق -رضي الله عنه- على كاهله حتى انتهى به إلى الغار، فلمَّا ذهب لِيَدخُلَهُ، قال: لا، والذي بَعَثك بالحقَّ لا تَدخلُهُ حتى استبرئَهُ، فدخل، فنظر، فلم ير شيئًا يَريبه، فدخلا، فلمَّا قَعَدا فيه هُنيَّةً أسفَرَ لهما الغارُ بعضَ الإسفارِ، فأبصر أبو بكرٍ إلى خَرقٍ في الغارِ فألقَمَهُ قَدَمَهُ، مخافةَ أن يكونَ فيه دابَّةٌ فتخرجُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتُؤذيه، فهذه ليلتُهُ رضي الله عنه.


(١) الرَّصَد: من التَّرصُّد، وهو: التَّرَقُّب، والرَّصَد: القوم يَرصُدون. «مختار الصحاح» (ص ١٥٤ - مادة رصد).

<<  <  ج: ص:  >  >>