للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال عمرُ لرجل عنده جالس: أليس كذاك؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، لا نَعرفُهُ إلا بما قلتَ. فقال عمرُ لرجل: قُم، فادعُهُ لي. فقامت المرأة حين / (ق ٢٠٠) أرسَلَ إلى زوجها، فقَعَدتْ خلفَ عمرَ، فلم يَلبث أن جاءا معًا حتى جلسا بين يدي عمر، فقال عمرُ: ما تقول هذه الجالسة خلفي؟ (١) قال: ومَن هذه يا أميرَ المؤمنين؟! قال: هذه امرأتُكَ. قال: تقول ماذا؟ قال: تَزعمُ أنَّه قد قَلَّ خيرُكَ، وكثُرَ شرُّكَ.

فقال: بئس ما قالت يا أميرَ المؤمنين، إنها لمن صالحِ نسائِها، أكثرهُنَّ كُسوة، وأَكثرهُنَّ رفاهيةُ بيتٍ، ولكنَّ فحلُها بَكِيٌّ (٢). فقال عمرُ: يرحمه الله، ما تقولين؟ قالت: صدق. فقام إليها عمر بالدِّرَّة، فتناولها بها، وقال: أي عَدُوَّةَ نفسِهِا، أَكَلتِ مالَهُ، وأَفنيتِ شبابَهُ، ثم أنشأتِ تُخبرينَ بما ليس فيه. فقالت: ياأميرَ المؤمنين، لا تَعجَلْ، فوالله لا أَجلسُ هذا المجلسَ أبدًا. ثم أَمَر لها بثلاثةِ أثوابٍ، فقال: خذي هذا لما صَنَعتُ بكِ، وإيَّاكِ أنْ تشتكي هذا الشيخَ، كأني أنظرُ إليها حين قامت ومعها الثياب، ثم أَقبَلَ على زوجها، فقال: لا يمنعكَ (٣) ما رأيتني صَنَعتُ بها أن تُسيءَ (٤) إليها، انصرِفَا. فقال الرَّجل: ما كنتُ لأفعل. ثم قال عمرُ رضي الله عنه: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «خيرُ أُمَّتي القَرنُ الذي أنا منه، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم يَنشَأُ قومٌ تَسبِقُ


(١) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «ما تقول في هذه الجالسة خلفي».
(٢) لعل المراد هنا هو ضَعفه عن الجماع، يقال: بَكَأَت الناقة والشاة: قلَّ لبنها، وقيل انقطع، وبَكَأَ الرَّجل: قَلَّ كلامه خِلقة. انظر: «لسان العرب» (١/ ٤٦٨ - مادة بكأ)،
(٣) كذا ورد بالأصل، ونسخ الطيالسي، كما أشار إلى ذلك محققه، ومع ذلك غيَّره إلى: «لا يحملنَّك»، ثم قال: المثبت من المصادر، والسياق يقتضيه (!)
(٤) كذا ورد بالأصل، ومطبوع الطيالسي. وجاء في مطبوع الطيالسي (ص ٨ - مصورة الطبعة الهندية): «تُحسن»، وهو الموافق للسياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>