للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمانِمائةٍ، وفَرَضَ لعثمانَ بن عبد الله بن عثمان، وهو ابن أخي طلحة بن عبيد الله -يعني: عثمان بن عبد الله- ثمانِمائةٍ، وفَرَضَ لابنِ النَّضر بن أنس ألفي درهمٍ، فقال طلحة بن عبيد الله: جاءك ابنُ عثمان قبلَهُ، ففَرَضتَ له ثمانِمائةٍ، وجاءك غلامٌ من الأنصارِ ففَرَضتَ له ألفين؟ فقال: إنِّي لَقِيتُ أبا هذا يومَ أُحُدٍ، فسألني عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما أُراه إلا قد قُتِلَ. فسَلَّ / (ق ٢٣٦) سيفَهُ، وكَسَرَ زَندَهُ (١)، وقال: إنْ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد قُتِلَ، فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يموتُ، فقاتَلَ حتى قُتِلَ، وهذا يَرعى الغنمَ! فتُريدون أنْ أجعلُهُما سواءً!

فعَمِلَ عمرُ -رضي الله عنه- عُمُره بهذا، حتى إذا كان من آخرِ السَّنَةِ التي حجَّ فيها، قال ناسٌ من الناسِ: لو قد مات أميرُ المؤمنين، أَقَمنا فلانًا -يعنون طلحة بن عبيد الله- وقالوا: كانت بيعةُ أبي بكرٍ فَلتَةً، فأراد أن يتكلَّمَ في أوسطِ أيامِ التشريقِ بمنىً، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إنَّ هذا المجلسَ يَغلِبُ عليه غَوغَاءُ الناسِ، وهم لا يَحتملون كلامَكَ، فأَمهِلْ أو أَخِّرْ، حتى تأتِيَ أرضَ الهجرةِ وحيثُ أصحابُكَ ودارُ الإيمانِ والمهاجرينَ والأنصارِ، فتَتَكلَّمُ بكلامِكَ، أو فتَتَكلَّمُ فيُحتمل كلامُكَ. قال: فأَسرَعَ السَّيرَ حتى قَدِمَ المدينةَ، فخَرَج يومَ الجمعةِ، فحَمِدَ اللهَ، وأثنى عليه، ثم قال: قد بَلَغني مقالةُ قائِلِكم: لو قد مات عمرُ، أو لو قد مات أميرُ المؤمنين، أَقَمنا فلانًا فبَايعناه، وكانت إمارةُ أبي بكرٍ -رضي الله عنه- فَلتَةً، أَجَلْ واللهِ، لقد كانت فَلتَةً، ومِن أين لنا مثلُ أبي بكرٍ نَمُدُّ أَعناقَنَا إليه، كمَا نمُدُّ أعناقَنَا إلى أبي بكرٍ، وإنَّ أبا بكرٍ رأى رأيًا، ورأيتُ أنا رأيًا، فرأى أبو بكرٍ أن يَقسِمَ بالسَّويَّةِ، ورأيتُ


(١) الزَّند: العُود الذي تُقدَح به النار. «مختار الصحاح» (ص ١٧١ - مادة زند).

<<  <  ج: ص:  >  >>