للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سِروعة يستأذنان، فدخلا وهما مُكسرَان (١)، فقالا: أقم علينا حدَّ الله، إنَّا شربنا فَسَكِرنَا، فزَبَرتُهما (٢)، وطردتُهما، فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرتُ أبي إذا رَجَعتُ. قال: فدخل عليَّ عبد الله بن عمر، فقمتُ، ورحَّبتُ به، فقال: إنَّ أبي نهاني أن أدخلَ عليك، إلا ألا أجدَ بُدًّا، إنَّ أخي لا يُحلَقُ على رءوس الناس أبدًا، أمَّا الضرب، فنعم، فأخرجتهما إلى صحن الدار، فضربتُهما الحدَّ، ودخل عبد الله بأخيه فحَلَق رأسَه، ورأسَ أبي سَروعة. فواللهِ ما كَتَبتُ إلى عمرَ بحرفٍ، فجاءني كتابٌ منه يقول: إلى العاص بن / (ق ٢٦٥) العاص: بجرأتك عليَّ، وخلاف عهدي، أنا قد خالفتُ فيك أصحابَ بدرٍ ممَّن هو خيرٌ منك واخترتُك، وأراك قد تلوَّثتَ بما تلوَّثتَ بضرب عبد الرحمن وحَلْقِهِ في بيتك، ولا تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، وقلتَ: هو ولدُ أمير المؤمنين، وقد عرفتَ أنَّه لا هوادةَ لأحدٍ عندي في حقٍّ، فإذا جاءك كتابي هذا، فابعثه في عباءة على قَتَب. فبعثتُ به كما أَمَر، وكَتَبتُ أعتذر، وبالله الذي لا يُحلَفُ بأعظمَ منه إنِّي لأُقيمُ الحدودَ في صحن داري.

قال أسلم: فقَدِمَ عبد الرحمن وعليه عباءة، ولا يستطيع المشي من مَركبه، فقال عمرُ: السِّياط! فقال: يا أميرَ المؤمنين، قد أُقِيمَ عليَّ الحدُّ، فلم يلتفت عليه، وجعل عبد الرحمن يصيح: أنا مريض، وأنت قاتلي، فضربه، فحبسه، فمرض، فمات (٣).


(١) كذا ورد بالأصل. وفي المطبوع: «مُنكسران».
(٢) أي: زَجَرتهما ونَهَرتهما. «مختار الصحاح» (ص ١٦٦ - مادة زبر).
(٣) جاء بهامش الأصل حاشية بخط مغاير لخط المؤلِّف، وهذا نصُّها: قال النووي في «تهذيب الأسماء» [١/ ٣٠٠]: عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، يقال له: عبد الرحمن الأكبر، وهو صحابي، ذكره ابن منده، وابن عبد البر، وأبو نعيم الأصبهاني، وغيرهم في الصحابة، وهو أخو عبد الله، وحفصة أمهم زينب بنت مظعون، أدرك عبد الرحمن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولم يحفظ عنه شيئًا. قالوا: وعبد الرحمن بن عمر الأوسط هو أبو شَحمة، الذي ضَرَبه عمرو بن العاص بمصر في الخمر ثم حمله إلى المدينة، فضَرَبه أبوه عمر بن الخطاب تأديبًا، ثم مرض، فمات بعد شهر. هكذا رواه معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وأما ما يزعمه بعض أهل العراق أنه مات تحت السِّياط فغلط، وعبد الرحمن بن عمر الأصغر هو أبو المجبَّر، والمجبَّر -أيضًا-، اسمه: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر. قال ابن عبد البر: وإنما قيل له المجبَّر؛ لأنه وقع وهو غلام فكُسِرَ، فحُمِلَ إلى عمَّته حفصة أم المؤمنين، فقيل: انظري إلى ابن أخيكِ انكَسَر، فقالت: ليس بالمكسَّر، ولكنَّه المجبَّر. انتهى كلام النووي رحمه الله. وعبد الرحمن الأوسط والأصغر أمهما أم ولد لعمر -رضي الله عنه-، واسمها: لاهيه. نقله الطبري في «الرياض» عن الدارقطني.

<<  <  ج: ص:  >  >>