للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسافر شيخ الإسلام وصحبته القاضيين (١) المشار إليهما من القاهرة المحروسة في يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، ودخلوا إلى القدس (٢) الشريف في يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وثمانمائة، وكان يوما مشهودا، وباشر تدريس الصلاحية والنظر عليها مباشرة حسنة وعمّر أوقافها، وشدد على الفقهاء وحثهم على الاشتغال، وعمل بها الدروس العظيمة، فكان يدرس فيها ثلاثة أيام في الأسبوع فقها وتفسيرا وأصولا وخلافا، وأملى بها مجالس من الأحاديث الواقعة في مختصر المزني (٣)، واستمر بها أكثر من سنتين.

ثم استقر بها شيخ الإسلام النجمي ابن جماعة في شهور سنة ثمان وسبعين، كما تقدم ذكره، فلم يتكلم فيها بعد ذلك، واستمر بمنزله على ما كان عليه من الاشتغال بالعلم والإفتاء. وتوفي والده الأمير ناصر الدين محمد في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثمانمائة عن ست وثمانين سنة، ودفن بجوار منزله بباب السلسلة.

ثم في سنة إحدى وثمانين توجه شيخ الإسلام إلى القاهرة المحروسة واستوطنها، وتردد إليه الطلبة والفضلاء والقضاة، واشتغلوا عليه في العلوم وانتفعوا به، وعظمت هيبته وارتفعت كلمته عند السلطان وأركان الدولة، وفي شهر شوال سنة ثمان وثمانين حضر إلى القدس الشريف زائرا.

ثم توجه إلى القاهرة في جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين، كما تقدم ذكر ذلك، ولما وقع ما تقدم ذكره من هدم المدرسة الأشرفية القديمة وبناء المدرسة المستجدة المنسوبة لملك العصر والزمان، ومولانا السلطان الملك الأشرف، وانتهت عمارتها، وقدر الله تعالى وفاة الشيخ شهاب الدين العميري قبل تقرير أمرها، وترتيب وظائفها كما تقدم ذكره برز أمر السلطان باستقرار شيخ الإسلام الكمالي فيها وطلبه إلى حضرته وشافهه بالولاية، وسأله في القبول فأجاب لذلك، وألبسه كاملية بسمور، وحضر إلى القدس الشريف هو ومن معه من أركان الدولة الشريفة، وباشرها كما تقدم ذكره في حوادث تسعين وثمانمائة، وحصل للمدرسة المشار إليها وللأرض المقدسة بل ولسائر مملكة الإسلام الجمال والهيبة والوقار بقدومه، وانتظم أمر الفقهاء وحكام الشريعة المطهرة بوجوده وبركة علومه، ونشر العلم، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وازداد شأنه عظما، وعلت كلمته،


(١) القاضيين أ ب هـ: القاضيان د: - ج.
(٢) إلى القدس أ ب هـ: للقدس د: - ج.
(٣) في فرع الشافعية، مؤلفه إسماعيل بن يحيى المزني المتوفى سنة ٢٦٤ هـ/ ٨٧٧ م، ينظر: حاجي خليفة ٢/ ١٦٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>