للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان خيّرا متواضعا، حسن الشكل، متتبعا للسنة، كثير التعظيم للأئمة الأربعة، ليس عنده تعصب، وكان سخيا مع قلة ماله، مكرما لمن يرد عليه، لا يحب الفخر ولا الخيلاء، ويدخل إلى المسجد الأقصى في أوقات الصلوات بمفرده، مع ما كان عليه من الهيبة والوقار، وله معرفة تامة بالمصطلح في الأحكام، وكتابة المستندات، وباشر القضاء بالأعمال المذكورة، وأفتى نحو أربعين سنة، وكانت أحكامه مرضية وأموره مسددة، ومات وهو باق على هيبته ووقاره، ولم يمتحن ولم يهن.

ومن أعظم محاسنه التي شكرت له في الدنيا، ويرجى له الخير في الآخرة، أن بالقدس كنيسة للنصارى مجاورة لكنيسة قمامة بلصق الصومعة من جهة القبلة، وبناءها محكم ولها قبة عالية البناء، وكان النصارى يجتمعون بها (١) ويقرأون كتاباتهم ويرفعون أصواتهم حتى كان في بعض الأوقات يسمع ضجيجهم (٢) من قبة الصخرة الشريفة، فينزعج المسلمون من ذلك، فقدّر الله حصول الزلزلة، وقعت في يوم الأحد خامس المحرم سنة ٨٦٥ هـ (٣) فهدمت قبة الكنيسة المذكورة، فتوجه النصارى لنائب السلطنة، وللقاضي الحنفي بالقدس الشريف، ودفعوا إليهما (٤) مالا، فأذن لهم القاضي الحنفي في إعادتها بالبناء القديم، فحصل للقاضي شمس الدين العليمي الحنبلي غاية الانزعاج، واشتد غيظه لذلك، فحضر إليه النصارى وأحضروا له مالا على أن لا يعارضهم، فزجرهم زجرا بليغا، ثم بادر بالكتابة للملك الأشرف إينال، ورتب قصة أنهى فيها ما كان يقع من النصارى بالكنيسة المذكورة، وأن الله تعالى قد غار لدينه وهدمها بالزلزلة، وسأل في بروز مرسوم شريف بأن ينظر في ذلك على ما يقتضيه مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، فبرز له الأمر بذلك، وحضر قاصده إلى القدس الشريف، وقد شرع النصارى في البناء حتى كادت (٥) تنتهي كما كانت عليه، فاجتمع الخاص والعام، ونائب السلطنة، والقاضي الحنفي الآذن في البناء، وبقية القضاة، وصدرت الدعوى من الشيخ تاج الدين أبو الوفاء ابن أبي الوفاء، المتقدم ذكره، عند القاضي شمس الدين العليمي، وسأله ما يقتضيه الشرع الشريف، وحكم بعدم إعادة الكنيسة المذكورة، وبهدم البناء الجديد، فهدم بعض


(١) بها ب ج د هـ: - أ.
(٢) ضجيجهم أ د هـ: صخبهم ب ج.
(٣) ٨٦٥ هـ/ ١٤٦٠ م.
(٤) إليهما د ج هـ: لهم أ ب.
(٥) كادت ب ج د هـ: كانت أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>