أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِوَطْئِهَا وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ زَوْجٍ لَهَا وَادَّعَاهُ الرَّاهِنُ فَهُوَ ابْنُهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَلَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ وَفِي الْأَصْلِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَهَا أَوْ أَحْبَلَهَا، وَهِيَ رَهْنٌ فَسَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ وَكَانَتْ رَهْنًا مَكَانَهَا أَوْ قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُ الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ وَلَا بِالْإِحْبَالِ وَبِيعَتْ فِي الرَّهْنِ فَلَمَّا جَعَلَهَا الشَّافِعِيُّ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ تُبَعْ كَأَنَّهُ أَحْبَلَهَا وَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُوسِرًا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ قِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا تُبَاعُ كَأَنَّهُ أَحْبَلَهَا وَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ فَتَفَهَّمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ حُدَّ وَوَلَدُهُ مِنْهَا رَقِيقٌ لَا يَلْحَقُهُ وَلَا مَهْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا أَقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَاهُ الْجَهَالَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ حَدِيثًا أَوْ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَلَوْ كَانَ رَبُّهَا أَذِنَ لَهُ فِي وَطْئِهَا وَكَانَ يَجْهَلُ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَكَانَ حُرًّا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ سَقَطَ وَفِي الْمَهْرِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْغُرْمَ. وَالْآخَرُ: لَا غُرْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَهَا لَهُ وَمَتَى مَلَكَهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا قَدْ مَضَى فِي مِثْلِ هَذَا جَوَابِي لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَبَدًا.
(قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ): وَهِمَ الْمُزَنِيّ فِي هَذَا فِي كِتَابِ الرَّبِيعِ وَمَتَى مَلَكَهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ إلَى أَجَلٍ فَأَذِنَ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ فَبَاعَهُ فَجَائِزٌ وَلَا يَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا وَلَا مَكَانَهُ رَهْنًا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ الْبَيْعُ، وَإِنْ رَجَعَ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَلَوْ قَالَ أَذِنْت لَهُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي ثَمَنَهُ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ الشَّرْطَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا عَلَى أَنْ يُعَجِّلَهُ حَقَّهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ بِهِ، وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا أُشَبِّهُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ لَا يَفْسَخَ الشَّرْطُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ أَمَرْت رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ ثَوْبِي عَلَى أَنَّ لَهُ عُشْرَ ثَمَنِهِ فَبَاعَهُ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لَا يَفْسَخُهُ فَسَادُ الشَّرْطِ فِي الثَّمَنِ وَكَذَا إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَفْسَخُهُ فَسَادُ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا وَيَنْبَغِي إذَا نَفَذَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَكَانَ الرَّهْنِ أَوْ يَتَقَاصَّانِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ بِحَقٍّ حَالٍّ فَأَذِنَ لَهُ فَبَاعَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بَيْعُهُ وَأَخَذَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ.
وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لِلرَّاهِنِ فَهُوَ رَهْنٌ، وَإِنْ أَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ لَا يَرْجِعُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ كَرَجُلٍ اكْتَرَى أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ اكْتَرَاهَا فَدَفَعَ الْمُكْتَرِي الثَّانِي كِرَاءَهَا عَنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ.
وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَرَهَنَهُ قَبْلَهَا فَجَائِزٌ وَهُوَ قَطْعٌ لِخِيَارِهِ، وَإِيجَابٌ لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَرَهَنَهُ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَتَمَّ لَهُ مِلْكُهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ وَمِلْكُهُ عَلَى الْعَبْدِ غَيْرُ تَامٍّ وَيَجُوزُ رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْقَاتِلِ فَإِنْ قُتِلَ بَطَلَ الرَّهْنُ.
وَلَوْ أَسْلَفَهُ أَلْفًا بِرَهْنٍ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَزِيدَهُ أَلْفًا وَيَجْعَلَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ رَهْنًا بِهَا وَبِالْأَلْفِ الْأُولَى فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَهْنًا كُلَّهُ بِالْأَلْفِ الْأُولَى كَمَا لَوْ تَكَارَى دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اكْتَرَاهَا تِلْكَ السَّنَةَ بِعَيْنِهَا بِعِشْرِينَ لَمْ يَكُنْ الْكِرَاءُ الثَّانِي إلَّا بَعْدَ فَسْخِ الْأَوَّلِ. (قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا: وَأَجَازَهُ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ فِي الْحَقِّ الْوَاحِدِ بِالرَّهْنِ الْوَاحِدِ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الْحَقِّ رَهْنًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَهُ فِي الرَّهْنِ حَقًّا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَشْهَدَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ هَذَا الرَّهْنَ فِي يَدِهِ بِأَلْفَيْنِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ فِي الْحُكْمِ فَإِنْ تَصَادَقَا فَهُوَ مَا قَالَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا قَدْ صَارَتْ فِي عُنُقِهِ جِنَايَةٌ عَلَى آدَمِيٍّ أَوْ فِي مَالٍ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ، وَلَوْ أَبْطَلَ رَبُّ الْجِنَايَةِ حَقَّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوْلَى بِهِ بِحَقٍّ لَهُ فِي عُنُقِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُسَاوِي دِينَارًا وَالْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا وَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنُهُ بِحَقٍّ ثُمَّ رَهَنَهُ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ