للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثَّانِي، وَلَوْ ارْتَهَنَهُ فَقَبَضَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُ جَنَى قَبْلَ الرَّهْنِ جِنَايَةً ادَّعَى بِهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَقِيلَ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ مَا عَلِمَ فَإِذَا حَلَفَ كَانَ الْقَوْلُ فِي إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِأَنَّ عَبْدَهُ جَنَى قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ وَاحِدًا مِنْ قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ رَهْنٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ بِحَقَّيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ قِبَلِ الْجِنَايَةِ وَالْآخَرُ مِنْ قِبَلِ الرَّهْنِ، وَإِذَا فُكَّ مِنْ الرَّهْنِ، وَهُوَ لَهُ فَالْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ بِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ إنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فِيهَا قِصَاصٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا أُخِذَ مِنْ السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فَيُدْفَعُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ حَقًّا أَتْلَفَهُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَهْنِهِ إيَّاهُ وَكَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، وَقَدْ جَنَى وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ قَتَلَهُ فَيَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَإِنَّمَا أُتْلِفَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ وَمَتَى خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَالْجِنَايَةُ فِي عُنُقِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ بِبَيْعٍ فَفِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا: وَهَذَا أَصَحُّهَا وَأَشْبَهُهَا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعَةٌ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمَا يَضُرُّهُ لَزِمَهُ، وَمَنْ أَقَرَّ بِمَا يُبْطِلُ بِهِ حَقَّ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ عَلَى غَيْرِهِ، وَمَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ فِيهِ حَقٌّ فَهُوَ ضَامِنٌ بِعُدْوَانِهِ، وَقَدْ قَالَ: إنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى عِلْمِهِ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْمَعْنَى لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لَمْ يَضُرَّ الْمُرْتَهِنَ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا بِيعَ فِي الرَّهْنِ.

(قَالَ): وَمَتَى رَجَعَ إلَيْهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ حُرٌّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ ثُمَّ بَرِئَ مِنْ الْجِنَايَةِ بِعَفْوٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى حَالِهِ رَهْنٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الرَّهْنِ كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ عِتْقًا قَدْ يَقَعُ قَبْلَ حُلُولِ الرَّهْنِ فَلَا يَسْقُطُ الْعِتْقُ، وَالرَّهْنُ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي التَّدْبِيرِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ رَهَنَهُ كَانَ هَكَذَا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: وَقَدْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): إنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَلَوْ أَوْصَى بِهِ ثُمَّ رَهَنَهُ أَمَا كَانَ جَائِزًا؟ فَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْجَدِيدِ آخِرُ مَا سَمِعْنَاهُ مِنْهُ: وَلَوْ قَالَ فِي الْمُدَبَّرِ إنْ أَدَّى بَعْدَ مَوْتِي كَذَا فَهُوَ حُرٌّ أَوْ وَهَبَهُ هِبَةَ بَتَاتٍ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ وَرَجَعَ فَهَذَا رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ هَذَا نَصُّ قَوْلِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: فَقَدْ أَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ بِغَيْرِ إخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ، وَإِذَا رَهَنَهُ فَقَدْ أَوْجَبَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِيهِ فَهُوَ أَوْلَى بِرَقَبَتِهِ مِنْهُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ لِلْحَقِّ الَّذِي عَقَدَهُ فِيهِ فَكَيْفَ يَبْطُلُ التَّدْبِيرُ بِقَوْلِهِ إنْ أَدَّى كَذَا فَهُوَ حُرٌّ أَوْ وَهَبَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى رَجَعَ فِي هِبَتِهِ وَمِلْكُهُ فِيهِ بِحَالِهِ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَا يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ يَدِهِ إلَى يَدِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِرَقَبَتِهِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ، وَقَبْضُ ثَمَنِهِ فِي دَيْنِهِ وَمُنِعَ سَيِّدُهُ مِنْ بَيْعِهِ فَهَذَا أَقْيَسُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ شَرَحْت لَك فِي كِتَابِ الْمُدَبَّرِ فَتَفَهَّمْهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا حُلْوًا كَانَ جَائِزًا فَإِنْ حَالَ إلَى أَنْ يَصِيرَ خَلًّا أَوْ مُرًّا أَوْ شَيْئًا لَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ فَإِنْ حَالَ الْعَصِيرُ إلَى أَنْ يُسْكِرَ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَرَامًا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَمَاتَ الْعَبْدُ فَإِنْ صَارَ الْعَصِيرُ خَمْرًا ثُمَّ صَارَ خَلًّا مِنْ غَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَهُوَ رَهْنٌ فَإِنْ صَارَ خَلًّا بِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حَلَالًا وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُكَهُ عَصِيرًا ثُمَّ صَارَ فِي يَدَيْك خَمْرًا، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ رَهَنْتَنِيهِ خَمْرًا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ كَمَا يَحْدُثُ الْعَيْبُ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا أَرَاقَ الْخَمْرَ وَلَا رَهْنَ لَهُ، وَالْبَيْعُ لَازِمٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا يَحِلُّ لَهُ ارْتِهَانُهُ بِحَالٍ وَلَيْسَ كَالْعَيْبِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي يَحِلُّ مِلْكُهُ وَالْعَيْبُ بِهِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا هَذَا عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مُدَّعٍ.

(قَالَ): وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الْجَارِيَةَ وَلَهَا

<<  <   >  >>