كذا فليكُنْ وضْعُ التآليف لو يدم ... ولا غَرْوَ ذاك العلْمُ هَذَا قَلِيلُهُ
فإنْ جاء فَرْضاً من يُرِيدُ اعْتِرَاضَهُ ... فَدَعْ أَمْرَهُ إِنّ التعسُّف قِيلُه
لكن أليس غريبا أن يكون الكتاب بهذا القدر، فلا يكتب له الاشتهار الذي وسم "المختصر الخليلي"؟. والجوابُ من وجهين:
١ - أنه شديد الغموض، وَصَفه بهذا ابن حجر، وهو عيْنُ مُؤَدَّى حكايةِ القباب مع ابنِ عرفة حين اجتَمعا بتونس، فأراه ما كتب من المختصر الفقهي -وقد شرع في تأليفه- فقال له القبَّاب: ما صنعتَ شيئا. فقال له ابن عرفة: ولم؟ فقال: لأنه لا يفهمُه المبتدي ولا يحتاجه المنتهي؛ فتغَيَّرَ وجهُ الشيخ ابن عرفة، ثم ألقى عليه مسائلَ فأجابه عنها. ويقال: إن كلامه هذا هو الحاملُ لابن عرفة أنْ ليَّن عبارته في أواخر كتابه. بل إن استغلاقَه لم يَجُزْ على عامة الباحثين فحسب، بل تعداه إلى مؤلفه، حتى إنه في آخر عمره صار يصعب عليه هو نفسه بعض المواضع منه، كما وقع له في تعريف الإجارة.
والحقيقة أن الغموض لم يكن وحده علة خبوِّ وهَج الكتاب، فمختصر خليل أغمض منه وأعوص، ولكن هناك سببا آخر، وهو التالي:
٢ - أن الكتاب لم يكن من "مقررات" الوقت، وكان مغربيا فجنى عليه ذلك، فلم يرتفع له صوت في المشرق، بدليل أن كل شراحه على قلَّتهم مغاربة، يُبين ذلك أن فقهاء مصر في ق ٩ هـ كانوا يرفضون دراسة كتب ابن عرفة، هذا بهرام الدميري (ت ٨٠٥ هـ) شرح المختصر الخليلي شرحين، وكان شيخَ الشيخونية، ومعه فضلاء مغاربة، فطلب منهم تصحيحه بين يديه على عادة الشيوخ فأبوا عليه حسدا وقالوا: لا نسمع كتبك ولا كتب شيخك ولا ابن عرفة، ولا نسمع إلا كتاب ابن عبد السلام فمن فوقه.