للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما قبح هذا المضمر أن يوصف؛ لأنه مبدوء به قبل الذي يفسره، والمضمر المقدّم قبل ما يفسره لا يوصف؛ لأنهم إنما ينبغي لهم أن يبينوا ما هو.

فإن قال قائل: هو مضمر مقدم وتفسيره: عبد الله (بدلا) منه (محمولا) على نعم، فأنت قد تقول: عبد الله نعم رجلا فتبدأ به، ولو كان (نعم) بمضمر لعبد الله لما قلت: عبد الله نعم الرجل فترفعه، فعبد الله ليس من (نعم) في شيء. والرجل هو: عبد الله ولكنه منفصل منه كانفصال الأخ منه إذا قلت: عبد الله ذهب أخوه فهذا تقديره، وليس معناه كمعناه، ويدلك على أن عبد الله ليس تفسيرا للمضمر أنه لا تعمل فيه نعم بنصب ولا برفع ولا يكون عليها أبدا في شيء.

واعلم أن (نعم) تؤنث وتذكر، وذلك قولك: نعمت المرأة، وإن شئت قلت:

نعم المرأة كما قالوا: ذهب المرأة. والحذف في (نعمت) أكثر.

واعلم أنك لا تظهر علامة المضمرين في (نعم) لا تقول: نعموا رجالا يكتفون بالذي يفسره كما قالوا: مررت بكلّ. كما قال تعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (١) فحذفوا علامة الإضمار، وألزموا الحذف كما ألزموا (نعم) و (بئس) الإسكان وكما ألزموا (خذ) الحذف.

ففعلوا هذا بهذه الأشياء لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم.

وأصل نعم وبئس: نعم وبئس، وهما الأصلان اللذان وصفا في الرداءة والصلاح، ولا يكون منهما فعل لغير هذا المعنى.

وأما قولهم: هذه الدار نعمت البلد؛ فإنه لما كان البلد الدار أقحموا التاء فصار كقولك: من كانت أمك وما جاءت حاجتك؟

ومن قال: نعم المرأة قال: نعم البلد، وكذلك: هذا البلد ونعم الدار، كانت البلد ذكرت فلزم هذا في كلامهم لكثرته ولأنه صار كالمثل، كما لزمت التاء في: ما جاءت حاجتك؟

ومثل ذلك قول الشاعر وهو لبعض السعديين:

هل تعرف الدار يعفيها المور


(١) سورة النمل، من الآية ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>