تقول: أجود بجوابه، ولا يقولون في قال يقيل ما أقيله، استغنوا بما أكثر قائلته، وما أنومه في ساعة كذا كما قالوا تركت ولما يقولوا ودعت "
قال أبو سعيد: اعلم أن ظاهر كلام سيبويه أنه جعل هذا الباب خارجا عن القياس الذي ينبغي، والفعل الذي يستعمل من هذا " أفعل يفعل " وهو " أجاب يجيب "، والذي يذكره كثير من النحويين أن ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف فليس الباب أن يتعجب به، وجعلوا قولهم ما أعطاه وما أولاه على غير قياس وظاهر كلام سيبويه يدل على أن التعجب بما فعله أفعل كثير مستمر وأنه لم يستعمل فيه هذا الحرف على طريق الاستغناء بالشيء عن الشيء كما قالوا: ما أكثر قائلته، ولم يقولوا ما أقيله وإن كان الفعل منه قال يقيل، وهذا مما استدل به بعض النحويين أن سيبويه يرى الباب في أفعل يفعل مما يجوز فيه التعجب ويستمر وأنه تحذف منه الهمزة الأصلية، وتلحق همزة التعجب.
ومثله مما جاء فيه التعجب وفعله على أفعل قولك: ما أيسر زيدا، وهو من " أيسر يوسر "، وما أعدمه وهو معدم في معنى الإعدام الفقر، والفعل منه " أعدم يعدم "، " وما أسنه " وقد أسن وهو مسن، " وما أوحش الدار " وقد أوحشت وهي موحشة، وما أمتعه وقد أمتع وهو ممتع، وما أسرفه وقد أسرف وهو مسرف، وما أفرط جهله وهو مفرط، وفلان أفلس من طست، وقد أفلس وهو مفلس. وتقول: هو أسرع من الريح قد أسرع وهو مسرع، وهو أبطأ منك، وهو مبطئ. وقد يقال: سرع الرجل وبطؤ، ومنه: أنت أكرم لي من زيد على معنى " أنت تكرمني أكثر منه "، وقد أقفر المكان، وهذا أقفر من غيره.
[هذا باب ما أفعله على معنيين]
" تقول: ما أبغضني له، وما أمقتني له، وما أشهاني لذلك، إنما تريد أنك ماقت وأنك مبغض وأنك مشته، فإن عنيت غيرك قلت: ما أفعله، وإنما تعني به هذا المعنى، وتقول: ما أمقته إليّ وما أبغضه إليّ وإنما تريد أنه مقيت وأنه مبغض، كما تقول: ما أقبحه وإنما تريد أنه قبيح في عينيك، وما أقذره وإنما تريد أنه قذر عندك. وتقول: ما أشهاها إليّ، أي هي شهية عندي " كما قال أبو كبير:
أم لا سبيل إلى الشباب وذكره ... أشهى إليّ من الرحيق السّلسل (١)
(١) الشاهد في قوله " أشهى إليّ على معنى هو شهي عندي أي هو مشتهى فجاءت " إليّ " بمعنى " عندي " انظر ديوان الهذليين ٢/ ٨٩.