تعالى أولى بأفصح اللغات؟
قيل له: قوله تعالى: " له " وإن لم يكن خبرا يتم المعنى، فإن سقوطها يبطل معنى الكلام؛ لأنك لو قلت: " لم يكن كفوا أحد " لم يكن له معنى، فلما أحوج الكلام إلى ذكر " له " صار بمنزلة الخبر الذي لا يستغنى عنه وإن لم يكن خبرا، ولم يكن بمنزلة قوله:
" ما كان فيها أحد خيرا منك "؛ لأنك لو حذفت " فيها " كان كلاما صحيحا.
قال: (وأهل الجفاء من العرب يقولون: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).
يعني: الأعراب الذين لا يدرون كيف هو مكتوب في المصحف لقوة التأخير في أنفسهم إذا لم يكن حفظ.
قال الشاعر: (١)
لتقربنّ قربا جلذيّا ... ما دام فيهنّ فصيل حيّا
فقد دجا اللّيل فهيّا هيّا
الشاهد في هذا: أنه قدم " فيهن فصيل " وجعله لغوا، لأنه جعل " فصيل " اسم " مادام "، و " حيا " خبره.
ومما سوغ أيضا التقديم، أنك لو حذفت " فيهن " انقلب المعنى؛ لأنك إذا قلت:
" مادام فصيل حيا "، فالمراد " أبدا " كما تقول: " ما طلعت شمس " و " ما ناح قمري ".
وقوله " جلذيا " يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون نعتا ل " قربا " ومعناه: جلذيا أي شديدا كما قال العجاج:
فالخمس والخمس بها جلذيّ
ويحتمل أن يكون اسم ناقته جلذية ورخّم.
[هذا باب ما أجري مجرى ليس]
(في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز، ثم يصير إلى أصله.
وذلك الحرف " ما " تقول: " ما عبد الله أخاك "، و " ما زيد منطلقا ").
قال أبو سعيد: أعم أن " ما " حرف نفي يليه الاسم والفعل، وقد كان من حكمه ألا يعمل شيئا، وذلك أن عوامل الأسماء لا تدخل على الأفعال، وعوامل الأفعال لا
(١) هذا الرجز لابن ميادة (الرماح بن أبرد). الخزانة ٤/ ٥٩.