للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد اللّتيا واللّتيا والتي ... إذا علتها أنفس تردّت (١)

وهي لا محالة صلة لما قبلها، وإنما يعني: بعد مراكب من الهول والشّدة إذا ركبتها أنفس تردّت، أي هلكت. ويجوز أن يكون صلة لأخراها، وصلة الأوليين محذوفة، ويجوز أن يكون جعلها كلّها كشيء واحد؛ لأنها في مذهب واحد، وجعل الصلة لها كلّها كأنها موصول واحد، ومثله مما احتجّ به حذف أحد من قوله: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا ... (٢) وحذف المضاف إليه من غير وهو أسهل من حذف الصلة بعد الموصول؛ لأنّ المضاف قد يستغني عن المضاف إليه، ولا يستغني الموصول عن الصلة؛ ألا ترى أنا لو حذفنا زيد من غلام زيد لجاز أن تقول: مررت بغلام، ولو حذف صلة من من قولك:

مررت بمن في الدار لم يجز أن تقول: مررت بمن؛ فاعرف ذلك إن شاء الله.

ويجوز أن يكون تصغير اللّتيا لمّا كان دلالة على الشّدّة والجهد عرف معناه فأغني عن الصلة؛ لأنّ الصلة توضح ما لا يعرف، ودخلت التي في معنى اللّتيا بالعطف.

[هذا باب لا يكون وليس وما أشبههما]

فإذا جاءتا وفيهما معنى الاستثناء فإنّ فيهما إضمارا، على هذا وقع فيهما معنى الاستثناء، كما أنه لا يقع معنى النهي في حسبك إلّا أن يكون مبتدأ.

وذلك قولك: أتاني القوم ليس زيدا، وأتوني لا يكون زيدا، وما أتاني أحد لا يكون زيدا، كأنه حين قال: أتوني، صار المخاطب عنده قد وقع في خلده أنّ بعض الآتين زيد، حتى كأنه قال: بعضهم زيد، فكأنه قال: ليس بعضهم زيدا. وترك إظهار بعض استغناء، كما ترك الإظهار في لات حين ذاك.

فهذه حالهما في حال الاستثناء، وعلى هذا وقع فيهما الاستثناء؛ فأجرهما كما أجروهما.

وقد يكون صفة، وهو قول الخليل. وذلك قولك: ما أتاني أحد ليس زيدا، وما أتاني رجل لا يكون زيدا إذا جعلت ليس، ولا يكون، بمنزلة قولك: ما أتاني أحد لا يقول ذاك، إذا كان لا يقول ذاك في موضع قائل ذلك.

ويدلك على أنه صفة أنّ بعضهم يقول: ما أتتني امرأة لا تكون فلانة، وما أتتني


(١) سبق تخريجه.
(٢) سورة النساء، من الآية ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>