للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هذا باب ما لا يحسن فيه من كما حسن فيما قبله]

قال سيبويه: (وذلك أنه لا يجوز أن يقول الرجل: رأيت عبد الله، فتقول: منا؛ لأنه إذا ذكر عبد الله فإنّما يذكر رجلا تعرفه بعينه، أو رجلا أنت عنده ممّن يعرفه بعينه، وأنت تسأله على أنه ممّن يعرفه بعينه، إلا أنّك لا تدري: الطويل هو أم القصير أم ابن زيد أم ابن عمرو؟ فكرهوا أن يجروا هذه مجرى النكرة إذا كانا مفترقين.

وكذلك: رأيته ورأيت الرجل، لا يحسن أن تقول فيهما إلا من هو، ومن الرجل؟

وقد سمعنا من العرب من يقال له: ذهب معهم، فيقول: مع منين؟ وقد رأيته، فيقول: منا، أو رأيت منا. وذلك أنه سأله على أن الذين ذكر ليسوا عنده ممن يعرفه بعينه، وأنّ الأمر ليس على ما وصفه المحدّث، فهو ينبغي له أن يسأل في هذا الموضع كما سأل حين قال: رأيت رجلا).

قال أبو سعيد: قد تقدم قبل هذا الباب أنّ المسألة عن المعرفة لا تكون باسم واحد، وإنما تكون المسألة عن النكرة باسم واحد، وذكرنا الفصل بين المعرفة والنكرة، وإنما جاز أن يقول: مع منين؟ وهو يستفهم عن الهاء والميم في معهم، وأن يقول: منا؟

وهو يستفهم عن الهاء في رأيته؛ لأن المتكلم بنى أمر المخاطب على أنه عارف بالاسم المكنيّ، ولم يكن عارفا به؛ فأورد مسألته على غير ما ذكره المتكلم. وكأن السائل سأل على ما كان ينبغي للمتكلم أن يكلّمه به إذا لم يعرف، والذي كان ينبغي للمتكلم أن يقول: ذهب مع رجال، ورأيت رجلا، فلما غلط المتكلم في توهمه على المخاطب أنه يعرفه ردّه المخاطب إلى الحقّ في حال نفسه أنه غير عارف بمن ذكره، وسأل عن ذلك، وجعل المتكلم كأنه قد تكلّم به، وربّما عدل المخاطب عما يوجبه لفظ المتكلم، وذلك قولك: كيف أصبحت؟ فتقول: صالح، ومن ضربت؟ فتقول: زيد، والذي يقتضيه لفظ السؤال صالحا وزيدا. وقد مضى الكلام في نحو هذا والله أعلم.

[هذا باب اختلاف العرب في الاسم المعروف الغالب إذا استفهمت عنه بمن]

قال سيبويه: (اعلم أنّ أهل الحجاز يقولون إذا قال الرجل رأيت زيدا: من زيدا؟

وإذا قال مررت بزيد قالوا: من زيد؟ وإذا قال: هذا عبد الله قالوا: من عبد الله؟

وأمّا بنو تميم فيرفعون على كلّ حال، وهو أقيس القولين.

فأمّا أهل الحجاز فإنّهم حملوه على أنّهم حكوا ما تكلّم به المسؤول، كما قال

<<  <  ج: ص:  >  >>