للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[هذا باب الفاء]

اعلم أن ما انتصب في باب (الفاء) فإنه ينتصب على إضمار (أن)، وما لم ينتصب فإنه يشرك الفعل الأول فيما دخل فيه، أو يكون في موضع مبتدإ، أو مبني على مبتدإ، أو موضع اسم مما سوى ذلك. وسأبين ذلك إن شاء الله.

تقول: لا تأتيني فتحدثني، لم ترد أن تدخل الآخر فيما دخل فيه الأول، فتقول:

لا تأتيني ولا تحدثني، ولكنك لمّا حولت المعنى عن ذلك تحوّل إلى الاسم؛ كأنك قلت: ليس يكون منك إتيان فحديث، فلّما أردت ذلك استحال أن تضمّ الفعل إلى الاسم، فأضمروا (أن)، لأن (أن) مع الفعل بمنزلة الاسم؛ فلم نووا أن يكون الأول بمنزلة قولهم: لم يكن إتيان، استحالوا أن يضموا الفعل إليه، فلما أضمروا (أن) حسن، لأنه مع الفعل بمنزلة الاسم.

و (أن) لا تظهرها هنا لأنه لا يقع فيها معان لا تكون في التمثيل، كما لا يقع معنى الاستثناء في (لا يكون) ونحوها إلا أن تضمر؛ ولولا أنك إذا قلت: لم آتك، صار كأنك قلت: لم يكن إتيان، لم يجز: فأحدثك، كأنك قلت في التمثيل: فحديث؛ وهذا تمثيل ولا يتكلم به بعد (لم آتك)، لأنك لا تقول: لم آتك فحديث، فكذلك لا تقع هذه المعاني في (الفاء) إلا بإضمار (أن)، ولا يجوز إظهار (أن). كما لا يجوز إظهار المضمر في (لا يكون) ونحوها.

فإذا قلت: لم آتك، صار كأنك قلت: لم يكن إتيان، ولم يجز أن تقول:

فحديث، لأن هذا لو كان جائزا لأظهرت (أن).

ونظير جعلهم لم آتك، ولا آتيك، وما أشبه ذلك بمنزلة الاسم في النية، حتى كأنهم قالوا: لم يك إتيان، إنشاد بعض العرب قول الأحوص اليربوعي:

مشائيم ليسوا مصلحيين عشيرة ... ولا ناعب إلّا ببين غرابها (١)

ومثله قول الفرزدق:

وما زرت سلمى أن تكون حبيبة ... إليّ ولا دين بها أنا طالبه (٢)


(١) البيت في ديوانه؛ وكتب في الكتاب أنه للفرزدق: ١٢٣؛ انظر الخزانة ٤/ ١٥٨؛ الكتاب ١/ ١٦٥، ٣/ ٢٩.
(٢) البيت في ديوانه ١/ ٨٤، الكتاب ٣/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>