للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: (ومثله قول الشاعر، وهو حسان:

أهاجيتم حسّان عند ذكائه ... فغيّ لأولاد الحماس طويل) (١)

فهذا دعاء من حسان لأنه هجا رهط النجاشي، ورفع كما يرفع- رحمة الله عليه- وفيه معنى الدعاء.

[هذا باب ما أجري من الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها]

(وذلك قولك: تربا، وجندلا، وما أشبه هذا. فإن أدخلت " لك " فقلت: تربا لك، فإن تفسيرها هاهنا كتفسيرها في الباب الأول).

قال أبو سعيد: اعلم أن هذا الباب يدعى فيه بجواهر لا أفعال منها نحو التراب والترب والجندل، وهو: الصخر، وقوله فاها لفيك، وفاها إنما هو اسم للفم وليس لشيء من ذلك فعل يصير مصدرا له، ولكنهم أجروه في الدعاء مجرى المصادر التي قبل هذا الباب وقدّروا الفعل الناصب لها ما قاله سيبويه.

قال: (كأنهم قالوا: ألزمك الله، وأطعمك الله تربا وجندلا، وما أشبه هذا من الفعل، واختزل الفعل هاهنا، يعني: حذف، لأنهم جعلوه بدلا من قولهم تربت يداك).

فعبّر عنه سيبويه بفعل قد صرف من التراب، وقد رفعه بعض العرب، والرفع فيه أقوى من الرفع في المصادر في الباب الذي قبله، قال الشاعر:

فترب لأفواه الوشاة وجندل (٢)

فترب مبتدأ والخبر لأفواه الوشاة، وفيه معنى المنصوب في الدعاء كما كان في قولك " سلام عليكم " معنى الدعاء.

قال: (فمثله قول العرب " فاها لفيك ". وإنما يريد " فا " الداهية، فجعل " فاها " منصوبا بمنزلة تربا لفيك، وإنما يخصّون في مثل هذا الفم لأن أكثر المتآلف فيما يأكله


(١) البيت لحسان بن ثابت: ورواية الديوان:
هيجتم ... ... غيّ لمن ولد الحماس طويل
ديوانه: ١٨٧؛ شرح أبيات سيبويه ١: ٢٠٥.
(٢) عجز بيت وصدره (لقد ألب الواشون ألبا لبيتهم) شروح سقط الزند: ق ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>