المذكورة قبلها فهو الاستثناء المطلق الذي ليس بمنقطع مما قبله فيما يتعارفه النحويون، كقولك: " أتاني القوم إلا زيدا " أو " ما أتاني أحد إلا زيد وإلا زيدا ".
وإن كان الذي بعد " إلا " ليس بجزء مما قبله فهو الاستثناء المنقطع كقولك: " ما في الدار إنسان إلا حمارا " و " إلا حمار ".
وهو الذي يجري مجرى " لكن " على ما ذكرته من مذهب " لكن " فإذا قال: إن لفلان مالا " فقد أخبر بأنه سعيد بملكه المال واستدرك ذلك بقوله: " إلا أنه شقي " كأنه قال: " إلا أنه بخل على نفسه " وكأنه قال: إن فلانا سعيدا بملك المال لكنه شقي بترك الانتفاع به بإنفاق المال ولم يتلذذ بالانتفاع به وترك نفقته. وكذلك: إذا قال: " إلا أنه شقي. كذلك لو قال: إن لزيد مالا لكن عمرا شقي " أو " إلا أن عمرا شقي " جاز لأن مذهب " لكن " يكون الأول فيه غير الثاني وكذلك " إلا " إذا كانت بمعناه.
[هذا باب يختار فيه النصب لأن الآخر ليس من نوع الأول وهو لغة أهل الحجاز]
وذلك قولك: ما فيها أحد إلا حمارا. جاءوا به على معنى: ولكن حمارا.
وكرهوا أن يبدلوا الآخر من الأول فيصير كأنه من نوعه فحمل على معنى " ولكن " وعمل فيه ما قبله كعمل العشرين في الدرهم.
وأما بنو تميم فيقولون: لا أحد فيها إلا حمارا. أرادوا: ليس فيها إلا حمار.
ولكنه ذكر " أحدا " توكيدا؛ لأن يعلم أنه ليس بها آدمي. ثم أبدل فكأنه قال: ليس فيها إلا حمار. وإن شئت جعلته إنسانها.
قال الشاعر وهو أبو ذؤيب الهذلي:
فإن تمس في قبر برهوة ثاويا ... أنيسك أصداء القبور تصيح (١)
فجعلها أنيسها.
ومثل ذلك:
" ما لي عتاب إلا السيف " جعلته عتابك.
كما أنك تقول: ما أنت إلا سير إذا جعلته هو السير.
وعلى هذا أنشدت بنو تميم قول النابغة الذبياني:
(١) البيت في شرح أشعار الهذليين ١/ ١٥٠.