لقالوا: يتديّن وليس له دين، وكذلك يتشرّف وليس له شرف، ويتفهّم وليس له فهم، قال: فلما كان هذا اللفظ الذي استكمل ما كان غير علاج بعد النصب).
قال أبو سعيد: يعني أن قولهم: له علم علم الفقهاء، وحسب حسب الصالحين، وفهم فهم الأدباء، يقال ذلك لمن فيه فهم مستقر فبعد النصب فيه في قولنا: أمرّ به فإذا له صوت صوت حمار؛ إنما هو معالجة للصوت وإخراجه.
ولو أراد بقوله علم تعلّم وتفهّم وتعاط له لجاز النصب، وصار بمنزلة له صوت صوت حمار، إلا أن المفهوم من كلام الناس وما جرت به عادتهم أنّ ذلك مدح للمذكور، حصل له بما استقرّ فيه من العلم والفهم وغير ذلك.
[هذا باب ما يختار فيه الرفع إذا ذكرت المصدر الذي يكون علاجا وذلك إذا كان الآخر هو الأول]
وذلك نحو قولك:(له صوت صوت حسن؛ لأنك إنما أردت الوصف، فكأنك قلت: له صوت حسن، وإنما كرّرت الصوت توكيدا، ولم ترد أن تحمله على الفعل)
ومثل هذا: مررت برجل رجل صالح، وعنده ثوب ثوب حسن، فيعيدون الاسم فينعتونه بالنّعت الذي يكون للأول.
(ومثل ذلك: له صوت أيّما صوت، وله صوت مثل صوت الحمار، لأن أيّ والمثل صفة أبدا، فإذا قلت: أيّما صوت، فكأنك قلت: له صوت حسن جدّا، وهذا صوت شبيه بذلك، فأيّ ومثل فيهما الأول، الرفع فيهما أحسن؛ لأنّك ذكرت اسما يحسن أن يكون هذا الكلام منه؛ فلمّا كان منه حمل عليه، كقولك: هذا رجل مثلك، وهذا رجل حسن، وهذا رجل أيّما رجل).
قال أبو سعيد: معنى قول سيبويه: يعني هو هو، وهو يستعمله في بعض كلامه، يريد أن قولك: له صوت إنّما هو الأوّل، وصوت مثل صوت الحمار، مثل: هو الأوّل.
وأراد أن يفرّق بين هذا وبين قوله: له صوت صوت حمار؛ لأنّ صوت حمار ليس بالصوت الأوّل، ولم يظهر لفظ مثل فيختار فيه الرفع.
وإذا قلت: له صوت صوت حمار فيقول سيبويه: (إنّما جاز رفعه على سعة الكلام