قال سيبويه:" اعلم أنّ أنت وأخواتها لا يكنّ علامات لمجرور؛ من قبل أنّ أنت اسم مرفوع، فلا يكون المرفوع مجرورا. ألا ترى أنك لو قلت: مررت بأنت لم يجز.
ولو قلت: ما مررت بأحد إلا أنت لم يجز. لا يجز إيّا أن تكون علامة لمجرور مضمر؛ لأنّ إيّا علامة المنصوب، فلا يكون إضمار المنصوب في موضع المجرور، ولكن إضمار المجرور علاماته كعلامات المنصوب التي لا تقع موقعهن إيّا، إلا أن تضيف إلى نفسك نحو: بي ولي وعندي.
وتقول: مررت بزيد وبك؛ وما مررت بأحد إلا بك، أعدت مع الضمير الباء من قبل أنهم لا يتكلمون بالكاف وأخواتها منفردة، فلذلك أعادوا الجارّ مع المضمر.
ولم يقع إيّا، ولا أنت وأخواتها هنا، من قبل أنّ المنصوب والمرفوع لا يقعان في موضع المجرور ".
قال أبو سعيد: المجرور لا يتقدم على عامله، ولا يفصل بينه وبين عامله بشيء؛ لأنّ الجرّ إنّما يكون بإضافة اسم إلى اسم أو دخول حرف على اسم، ولا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف، ولا الفصل بين المضاف والمضاف إليه؛ ومن أجل ذلك لم يكن ضميره إلا متصلا بعامله، فإن عرض أن يعطف على المجرور أو يبدل منه في الاستثناء اقتضى حرف العطف وحرف الاستثناء الضمير المنفصل على ما تقدم من شرحنا لذلك، وليس للجرّ ضمير منفصل، ولا يكون ضميره إلا مع عامله، فأعادوا الضّمير مع العامل كقولك: مررت بزيد وبك، وما نظرت إلى أحد إلا إليك.
هذا باب إضمار المفعولين اللّذين تعدّى إليهما فعل الفاعل
قال سيبويه: " اعلم أنّ المفعول الثاني قد تكون علامته إذا أضمر في هذا الباب العلامة التي لا تقع إيّا موقعها، وقد تكون علامته إذا أضمر إيّا.
فأما علامة الثاني التي لا تقع إيّا موقعها فقوله: أعطانيه وأعطانيك، فهذا هكذا إذا بدأ المتكلم بنفسه. فإن بدأ بالمخاطب قبل نفسه فقال: أعطاكني، أو بدأ بالغائب فقال: أعطاهوني، فهذا قبيح لا تكلّم به العرب، ولكنّ النحويين قاسوه.
وإنّما قبح عند العرب كراهة أن يبدأ المتكلم في هذا الموضع بالأبعد قبل الأقرب، ولكن يقول: أعطاك إيّاي، وأعطاه إيّاي، فهذا كلام العرب، وجعلوه إيّا تقع هذا الموقع إذ قبح هذا عندهم، كما قالوا: إيّاك رأيت، وإيّاي رأيت، إذ لم يجز (ني)