وبلد ليس به طوريّ ... ولا خلا الجنّ به إنسيّ (١)
فتقديره: ولا به إنسيّ خلا الجن، ف (به) مقدرة بعد لا محذوفة؛ لأنه لو قال: ليس به طوريّ ولا إنسيّ، فمعناه: ولا به إنسيّ، فاستثنى بعد تقدم شيء في التقدير، ويدل عليه ما قبله، فيفسّر كأنه قال: ما به خلا الجنّ إنسيّ، وتقديم الاستثناء فيه للضرورة، والذي يحكى عن الكوفيين: جواز تقديم الاستثناء في أول الكلام.
قال الكسائي: " إلا طعامك ما أكل زيد " استثناء، وجاز أن تضعه مقدما ومؤخرا.
وهذا عند أصحابنا لا يجوز من غير جهة:
فمنه أن تقديم الاستثناء في أول الكلام لم يقم عليه دليل من سماع ولا قياس.
ومنه أن (ما) لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. لا تقول: زيدا ما ضربت، فإذا لم يجز ذلك كان جوازه بعد دخول " إلا "
عليه أبعد.
[هذا باب مجرى علامات المضمرين، وما يجوز فيهن]
وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى.
[هذا باب علامة المضمرين المرفوعين]
قال سيبويه: " اعلم أنّ المضمر المرفوع إذا حدّث عن نفسه فإن علامته أنا، وإن حدّث عن نفسه وعن آخر قال: نحن، وإن حدث عن نفسه وعن آخرين قال:
نحن.
ولا يقع (أنا)، في موضع التاء التي في فعلت، لا يجوز أن تقول: فعل أنا؛ لأنهم استغنوا بالتاء عن أنا، ولا تقع نحن في موضع (نا) التي في فعلنا. لا تقول: فعل نحن.
وأما المضمر المخاطب: فعلامته إن كان واحدا: أنت، وإن خاطبت اثنين فعلامتهما أنتما، وإن خاطبت جميعا فعلامتهم أنتم.
واعلم أنه لا يقع أنت في موضع التاء التي في فعلت، ولا أنتما في موضع (تما) التي في فعلتما. ألا ترى أنك لا تقول: فعل أنتما، ولا يقع أنتم في موضع (تم) التي في:
فعلتم، لو قلت: فعل أنتم لم يجز. ولا يقع أنتن في موضع (تن) التي في فعلتنّ، لو قلت: فعل أنتن لم يجز.
وأما المضمر المحدّث عنه فعلامته: " هو "، وإن كان مؤنثا فعلامته: " هي "، وإن
(١) البيت في ديوانه ٦٨؛ والخزانة ٣/ ٣١١، ٣١٢، ٣٣٨؛ تاج العروس (أنس).