كان حق المصّدّر أن يكون منصوبا؛ لأنه بمنزلة: امرر بي وزيدا؛ لأن أيّه فعل معناه صح بي أو زيدا، على معنى: ادعني أو زيدا. يقال: أيّهت بالإبل: صحت بها، وإنما خفضه ضرورة لخفض القوافي، ومعنى آبك: ويلك، والمصدّر: العظيم، والجأب والحشور:
الغليظ. قال الشاعر في آبك، وأنشده أبو زيد:
فآبك هلا والليالي بغرّة ... صحوت وفي الأيام عنك غفول (١)
وأمّا: فاذهب فما بك والأيام، وما بينها والكعب، فليس قبلهما فعل يحملان عليه وينصبان، فالضرورة حملهما على الخافض.
والتأكيد للمضمر المجرور لا يحسّن عطف الظاهر عليه كما حسّنه في المرفوع؛ لأن المرفوع بالفعل قد يكون غير متصل بالفعل الرافع له الظاهر منه والمضمر، وإنما استحسن توكيده؛ لأن التوكيد خارج عن الفعل، فيصيّره بمنزلة الفاعل الذي ليس متصلا، فيعطف عليه كما يعطف على ما ليس بمتّصل من الفاعلين، والمجرور لا يكون إلا متصلا بالجارّ، فلا يخرجه التوكيد إلى شبه ما ليس بمتصل، وباقي الباب مفهوم من كلام سيبويه.
هذا باب ما تردّه علامة الإضمار إلى أصله
وهذا الباب في كتاب أبي العباس المبرد قبل الباب الذي ذكرناه قبله.
قال سيبويه:" فمن ذلك قولك: لعبد الله مال، ثم تقول: لك وله مال. وذلك أن اللام لو فتحوها في الإضافة لالتبست بلام الابتداء إذا قال: إن هذا لفلان، ولهذا أفضل منك، فأرادوا أن يميزوا بينهما، فلما أضمروا لم يخافوا أن تلتبس بها؛ لأنّ هذا الإضمار لا يكون للرفع ويكون للجرّ. ألا تراهم قالوا: يا لبكر، حين نادوا؛ لأنه قد علم أن تلك اللام لا تدخل هاهنا.
وقد شبهوا به قولهم: أعطيكموه في قول من قال: أعطيكم ذلك فيجزم، ردّوه إلى أصله بالإضمار كما ردوه بالألف واللام حين قالوا: أعطيكم اليوم، فشبّهوا هذا ب " لك وله "، وإن كان ليس مثله؛ لأنّ من كلامهم أن يشبّهوا الشيء بالشيء وإن
(١) البيت في ديوانه، ولسان العرب وتاج العروس (أوب).